إني مهاجرة (ج2)
خالصة السليمانية
في لحظة ما، وهي ترمي بنظرها هنا وهناك، لمحتْ رجلاً، نادته، ثم أسرعتْ إليه قائلةً: إذا سمحت، دلّني على مكان حلبة المصارعة.
تفحّصها الرجل بدقّة، ونظراته فيها شيء من الغموض والشكّ، ثم قال: أيّ حلبة؟ لا بدّ أنكِ في المكان الخاطئ.
شعرتْ أنه يعرف، لذلك أصرّت عليه.
استدار وأشار بيده وهو يقول:
ارحلي من هنا.
قالت:
أريد أليكس.
توقف الرجل ثم استدار إليها ونظر مرة أخرى، ثم قال:
من أليكس الذي تريدينه؟
اضطربتْ لسؤاله، فهي لا تعرف شيئاً غير اسمه، فكرتْ قليلاً وبشجاعة قائلةً:
وكم أليكس عندكم يا رجل؟ أريده بأمر مهم، وإذا لم تأخذني إليه غسوف تتحمل المسؤولية وحدك.
شعرتْ أن أليكس شخص مهمّ، وربما كما يُقال (سيد القوم)، كانت هذه حيلتها ونجحت في ذلك.
حسناً، هيا امشِ خلفي.
بضع خطوات مشتها خلف الرجل، ثم دخلت بيتاً صغيراً جداً، كانت متعجبة، فقد طرقت الباب أكثر من مرة، ونظرتْ عبر النافذة، لم تجد شيئاً، ضُغط زرٌ، وانفتح بابٌ في الأرضية التي ألصقت فيها سجادة جميلة جداً، كنوع من التمويه.
سارت خلفه في ممرٍّ ضيّق، لم تكن خائفة، فهي تعرف هذه الأماكن، وإن كانت لم تزرها من قبل.
الأصوات كانت عالية، من يتوقع ذاك السطح الهادي يُدسّ في باطنه أنفاس تصنع عالماً آخر، تقدمتْ قليلاً حتى صارت بجانب الرجل، نظر إليها، لم تفسر تلك النظرة، قالت له:
كأنه مكان سري للغاية، وأنا شاهدت كل شيء، ألا تخاف أن أفشي سركم؟
ابتسم الرجل وتقدم نحوها بخطوة، أنتِ من يجب أن تخافي، لأنه إذا لم يعرفك أليكس، فأنتِ في عداد الموتى، وإن عرفكِ فالأصدقاء لا يفشون الأسرار.
كانت الحلبة صغيرة بالمقارنة مع ذلك الجمهور الغفير، نظرتْ إليهم وهُم يهتفون، كلّ منهم لبطله، أنت ِ تعالي من هنا. أخذها الرجل إلى مكان منعزل عن الحلبة، ثم طرق الباب، دخلا، فإذا برجل مفتول العضلات، أصلع الرأس، مُنكبّاً على كومة من الأموال، أظنه أليكس، لم يرفع رأسه حين سأل الرجل ماذا تريد؟ قال:
هي تريد، بسرعة البرق رفع رأسه، كانت تظن أنه لن يرفعه ما دامت تلك الكومة أمامه، نظر إلى الرجل، ربما يكون أحد أتباعه و بإشارات بينهما ترجمتها بينها وبين نفسها، خرج بعدها الرجل، بدأت هي الحديث أأنت أليكس؟
وأنتِ من تكونين؟
أنا سألت أولاً.
نعم أنا أليكس، قولي ما عندك.
تفضل.
ما هذه الورقة؟
لا أعلم، أعطاني إياها شاب، ربما إذا فتحتها ستعرف من هو الشاب.
ما إن فتح الورقة حتى سألها: كيف تعرفين هذا الشاب؟ ولماذا لم يأتِ هو؟
هو أنقذ حياتي، وأنا أنفذ وصيتة كردّ للمعروف فقط.
وصيته؟
لقد توفي الشاب في حادث. نهض أليكس من مقعده والشرار يتطاير من عينيه،
شعرتْ بالخوف، كأنه يتهمني في ما أصاب الشاب، نهضتْ من مكانها قاصدةً الباب، ثم قالت له:
لقد أوصلت الأمانة وأنا راحلة.
توقفي، أريد رقم هاتف.
ألم تنتهي مهمتي إلى هذا الحد؟ ما حاجتك برقم هاتفي؟
لا تخافي، لن أضرّكِ، مجرد احتراز.
تبادلا الأرقام وخرجتْ من هذا المكان.
بعدها اتجهتْ إلى مكانها المفضل في المنتزه، وبالتحديد بقعتها المفضلة تحت الشجرة العملاقة.
كانت منعزلة قليلاً، جلستْ على المقعد، تنفستْ بعمق كأنها تريد أن تمحو من ذاكرتها ما مرّ بها.
مرحباً، هل يمكنني أن أجلس بجانبكِ.
طبعاً، قالت وهي تهمّ بالنظر إليه، ورسمت على وجهها ابتسامة تشعره بالرضى،
ربما المفاجآت والمتاعب والأحداث المثيرة لم تنتهي. حين نظرتْ إلى وجهه قفزت صارخة: شبحَ شبح!
ألصقتْ نفسها بالشجرة، علامات الاستفهام والتعجب بدت على وجهه، ولكن الغضب كان سيدها، حينها وضع يده على فمها ليوقف الصراخ، حاولتْ أن تعضّه للهرب منه، إلا أنها لم تستطيع .
نظر في عينيها وتحدث بهدوء:
أنا ذاك الشابّ الذي أنقذكِ،
أظنك ما زلتِ تائهة، أرجوكِ اهدئي، لا يمكن أن أكون شبحاً، فالأشباح لا تستطيع
أن تمسك الأشياء، أنا الآن أمسكك، سوف أرفع يدي عنكِ، وقبل ذلك عديني أن لا تصرخي.
هزت برأسها بأنها موافقة. ابتعد عنها قليلاً، ثم جلسا في نفس المقعد، بينهما مسافة.
سألها: ما سبب كل هذا؟
قصّت عليه ما جرى، ثم سألته: هل أنت فعلاً لم تمُت؟ أجاب:
وهل الأموات يعودون؟ بدى عليه الريبة فيما قصّتْه عليه. يستحيل أن يكون مني اثنين. مازحته قائلة: ربما هذا توأمك.
ولكن ليس لي توأم.
هل لي برقم هاتفك؟
لماذا الجميع يريد رقم هاتفي؟
ماذا تقصدين؟
لا عليك سجل رقمي؟
بعد يوم اتصل الشاب بها وأخبرها أنه يريد مقابلتها في نفس المكان، لم تتردد في الموافقة، فشيء ما جعلها تعتقد أنها ستكون مغامرة تقلب حياتها رأسا على عقب، لا تدري لماذا هذا الشعور ساورها؟
حين وصلتْ كان جالساً على المقعد.
مرحباً أيها الشبح، لم يعجبه ما قالت، ولكنها بررت موقفها بأنها رأته يموت في ذلك اليوم، ولأنها لا تعرف اسمه حتى الآن، ليس هذا المهم الآن، سألتُ أمي إذا كان لديّ أخٌ توأم، صدمتني بالإجابة أنه كان لي.
ولماذا إلى الآن لم تعرف أن لك أخاً توأماً؟
أريد أن أعرف عن أخي التوأم، أنا لا أعرفه، ولكن ربما أعرف أحداً يعرفه.
اتصلتْ بأليكس، وأخبرته أنها تريد مقابلته، وافق على الحضور فوراً لأنه كان يريد أن يخبرها بشي هو الآخر.
حين وصل أليكس ورأى الشاب انصدم، صرخ في وجه إيما:
لماذا قلتِ أنه ميت؟ أي لعبة تلعبينها أيتها الفتاة؟ قال الكثير واتهمني بالأكثر، إلا أن مارك صرخ بقوة قائلاً: توقف ليس كما تظن.