همسات في الحياة الجزء الثالث عشر
خلفان بن ناصر الرواحي
(١) بعض البشر ليس لهم في الحياة من إنجازات سوى التفاخر بشجرة النسب، والحسب، والجاه، ويحاول إجبار الآخرين على أن يقنعهم بثمرتها العنصرية المقيتة، ولكن أمثال هؤلاء في مجال الخير والإبداع والإنجاز لنفع الناس والمجتمع صفر، وهم قابعون في قعر غياهب العجز والتخاذل، وكأنهم يعيشون في زمن العصبية الجاهلية!
فليتهم يستفيقون من غفلتهم وينظرون بمرآة بصيرتهم لبقاء الأثر الجميل…
(٢) بعض البشر متعلم ولديه المؤهلات العلمية من أشهر الجامعات والأكاديميات ودور العلم المرموقة؛ ولكنه لا يستطيع أن يثبت جدارته ليفك رمز “الدين المعاملة” عند التعامل مع الآخرين، ولا يرى بعينيه أبجديات الحروف على سطور واقع الحياة ليُفيد ويستفيد…
(٣) بعض البشر يتباهى بما يلبس في يده من أغلى الساعات سعرًا وأعلاها جودة؛ ولكنه يبيع وقته بأرخص الأثمان ليشتري به اللهو والعبث والخوض في الباطل الذي لا ينفعه في الدنيا ولا الآخرة؛ فتلك هي عظمة النفوس المريضة التي لا تعرف قيمة الصحة والوقت المغبون عليها ابن آدم…!
(٤) بعض البشر يحمل أكبر الشهادات في القانون والحقوق؛ ولديه الاستعداد دائمًا للتضحية بوقته وجهده؛ كي يدافع عن شخص ما من أجل الشهرة والمال فحسب؛ لكنه لا يملك في رصيد ضميره شهادة حسن سيرة وسلوك في الدفاع عن فقير مظلوم أو عن انتهاك حرمة من حرمات الله، ولا يسعى إلا وراء المادة، ويبيع الدين والكرامة…!
(٥) بعض البشر يحرص على نظافته الشخصية ويغسل جسده في اليوم بضع مرات بأجود المطهرات، ويتعطر بأغلى العطور؛ لكنه لا يتحمل أن يرى أحدًا أفضل منه في نعمة ما؛ لأنه عاجز عن غسل قلبه من أوساخ الحسد والحقد التي زينتها له أنانيته ونفسه الأمارة بالسوء، ويظل يعيش في وهم التميز المكذوب والمظاهر البراقة…!
(٦) بعض البشر يعيش في بحبوحة ورغد العيش ويلهو في الدور والقصور الفارهة، ويتمتع بالمال والجاه العظيم ليشتري ما لذ وطاب ويتفاخر باقتناء الماديات؛ ولكن قلبه لم يعرف يومًا واحدًا شيئًا اسمه السعادة أو الطمأنينة؛ لأن قلبه أصبح محبوسًا في قفص الكآبة والحزن والضيق نتيجة بعده عن الله، وجحود النعمة التي يعيشها ولا يقابلها بالشكر والإنفاق في أبواب البر والخير…!
(٧) بعض البشر يكاد لا يفارقه الهاتف النقال ليتصفح فيه وسائل التواصل الاجتماعي أو متابعة المقاطع المرئية المتنوعة وربما الفارغة من محتوى الفائدة؛ ولكنه قد يمر عليه اليوم والأسبوع والشهر، وربما السنة دون أن يمسك بكتاب الله ليكون له وردًا يريح نفسه، وينير عقله، أو يقرأ ما يفيده من أمهات الكتب أو يستقي من معين أهل العلم!
(٨) بعض البشر لديهم الفضيلة وحسن المعاملة، ويتركون أثرهم في كل حال ومكان، ولا تنفر مجالستهم ولا مصاحبتهم، ويقودك الشوق والحنين وربما الفضول لمعرفة سرّ ذلك السلوك الإنساني الذي يعيشه أمثالهم؛ ليكونوا القدوة التي يشار إليها ويقتفى أثرهم…