لزوم ما لا يلزم من الشعر إلى حياتنا
ناصر بن خميس الربيعي
اللزوميات عند أبي العلاء المعري، ديوان ألزم فيه الشاعر نفسه بالإتيان بقافية فيها ثلاثة أحرف قبل الروي (الحرف الأخير في القصيدة)، ويتكرر ذلك في كل أبيات القصيدة، وهذا دلالة على براعة الشاعر اللغوية وتتبعه للإيقاع الموسيقي الصاخب، وقد أُطْلِق على هذا المحسن البلاغي لزوم ما لا يلزم.
سافرت لزوم ما لا يلزم بمضمونها؛ لتدخل إلى حياتنا فتملأها بالصخب والموسيقى المزعجة التي جعلتها دميةً فارهةَ الجمال خاليةً من المشاعر والألفة، كل ما يميزها كثرة الألوان وتعدد الأنواع؛ لذا لا غرابة أن يسعى الأطفال إلى اقتناء هذه الدُمى والعيش معها في غرفة موصدة؛ لتنتج لنا شخصية قلّما تستعمل العقل في تحديد أولويات المستقبل.
وقد تجلت اللزوميات في حياتنا في صور عديدة، فنرى الواحد منا يسعى إلى إلزام نفسه فوق طاقتها، وذلك في مخالفة صريحة لقول الله تعالى في محكم كتابه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ…}-[من آية: 286 سورة البقرة]. صدق الله العظيم. فالله سبحانه وتعالى أرحم بالناس من أنفسهم التي غالباً ما تدفعهم إلى تكليف ذواتهم ما لا طاقة لها به.
فكم واحدٍ منا بنى منزلاً فوق طاقته واشترى سيارةً فوق طاقته وهاتفاً يفوق قدرته المالية، وكم وكم وكم …؛ ليعيش بعد ذلك مرراة هذا القرار الذي كان الدافع الأساسي لاتخاذه مباهاة الآخرين ومنافستهم بعيداً عن العقل والمنطق.
فيا ليتها لم تنتقل من الشعر إلى حياتنا وليتها بقيت حبيسة الدواوين وكلمات الشعراء؛ ليبقى الإنسان على فطرته التي خُلِقَ عليها من البساطة والتواضع وبسط اليد بقدر المستطاع وتحكيم العقل في اتخاذ القرار ليبقى الإنسان محباً لأخيه الإنسان ومؤمناً بتفاوت الأرزاق.