هل هناك عدالة في توزيع المراكز الصيفية؟؟
أحمد البحري
تُعدّ الأنشطة الصيفية في المدارس فرصة لتعلم الطلبة والاستمتاع في نفس الوقت بعد عام دراسي، وهي تساعد على تنمية مهاراتهم الاجتماعية والذهنية والجسدية، وتقوم عليها وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والرياضة والشباب والأندية في المحافظات والولايات، ومن أهم الأنشطة الصيفية التي يمكن للطلبة الاستفادة منها، هي:
الرِحلات الميدانية وزيارة المواقع المهمة في البلاد، حيث أن للزيارات الميدانية فوائد عدة، منها: المعرفية، فيتعرف الطالب على أبرز المواقع في البلاد والمعلومات التي تخصها، سواء كانت أثرية أو حاضرة، وهي أيضا تنمي عنده روح المواطنة، وتصنع الألفة بين الطّلبة ويعرفنجزات بلاده في الزمن الماضي والحاضر، ولا ننس المتعة في السفر حتى لمسافات قصيرة حيث تنمي روح الألفة بين الطّلبة.
الدورات التعليمية في مجالات مختلفة، مثل: الرّسم، الحاسوب، اللّغات، والأشغال اليدوية، وإعادة التدوير، ولا تخلو هذه الدورات من المتعة والفائدة للطالب، وعلينا الانتباه أن تكون الدورات التعليمية متناسبة مع ميول الطّلبة وسنهم وحسب إمكانات المراكز الصيفية، وفي الحقيقة أرجو من القائمين على البرامج التفكير في مهارات القرن الحادي والعشرين، ومجاراة الانفجار التقاني والمعلوماتي في العصر الحديث بتقديم دورات تواكب هذا الانفجار.
الأنشطة الرياضية، مثل: كرة القدم، كرة السلة، الشطرنج، ألعاب القُوَى الفردية التي غيبت في الآنية الأخيرة، وانصب جل الاهتمام برياضة كرة القدم. فالأنشطة الحركية أصبحت ضرورة في وقت تغيّر فيه نمط الحياة عند الطّلبة الّذيّن أصبح جل وقتهم على شاشات هاتفهم الذكي أو الحاسب الآلي.
التطوع في الأعمال الخيرية وخدمة المجتمع، وشخصيًا أعدّ هذا الجزء من أهم أنشطة البرامج الصيفية لما لها القدرة على جمع الكثير من الأنشطة تحت تصنيفها سواء تعليمية أو ترفيهية، ولقلة التكاليف المصروف عليها، إضافة إلى ذلك يمكن القول بأنها تساعد في: بناء العلاقات الاجتماعية، وتطوير المهارات الشخصية، فرصة لاكتساب الخبرة وتعزيز السيرة الذاتيّة، نشاط التطوع في الأعمال الخيريّة وخدمة المجتمع يمنح الأفراد فرصة للمساهمة الإيجابيّة وتطوير الذات، ويعزز الروح الاجتماعيّة والمشاركة المجتمعيّة.
في البرامج الصيفيّة يمكن للتطوع أن يوفر تجارِب ممتعة للطّلبة، ويعلمهم قيم التعاون والتفاني في خدمة الآخرين. ومما يدلل على حرص الدولة على هذا الجانب بأن أفرد له مادة 21 في قانون التعليم ” تشجع الوزارة الوقف والعمل التطوعي في الجوانب التعليمية وفق ما تقرره اللائحة.”
وإن كان هناك عتب فإني سأوجهه للقائمين على هذه البرامج، حيث أن جل تركيزهم على مدارس مركز المدينة في حين مدارس القرى لا تحظى بهذا الاهتمام، بل أنه ينعدم في قرى بعض المحافظات، إلا إن كانت هناك جهود فردية من قبل إدارات المدارس أو الأهالي والفرق الأهلية الرياضية الثقافية. فإن غياب هذه الأنشطة في بعض المناطق؛ يؤثر سلبًا على فرص التعلّم والتّطور لدى الطّلبة، بالتالي يجب على أصحاب القرار في المؤسسات التي تعنى بهذه الأنشطة ضمان استفادة أكبر للأطفال من فرص التعلم والتطور. ووفقًا لتقرير للأمم المتحدة لحالة أطفال العالم 2021، فإن الأنشطة الصيفية تساعد على تحسين صحة الأطفال وتعزز نموهم الاجتماعي والعاطفي والذهني. وبحسب موقع ياسكولز، فإن الأنشطة الصيفية تساعد على تحسين مهارات الطفل في التواصل والتعلم والتفكير الإبداعي.
ويمكن أن يؤدي عدم أو قلة توفير الأنشطة الصيفية عند أبناء القرى إلى شعورهم بالتمييز والإحباط، وقد يؤثر ذلك على نفسيتهم وصحتهم العقلية. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن الأطفال الذين يعانون من الإحباط والتمييز يواجهون مشكلات في التعلّم والتّطور. وبحسب تقرير صادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في المملكة العربية السعودية، فإن نسبة المشاركة في الأنشطة الصيفية في المدن تصل إلى 80%، في حين تصل إلى 20% في المناطق الريفية.
وأرى انحسار أنشطة البرامج الصيفية في مدارس المدن دون القرى تمييز خطير يستوجب الوقف على حيثياته وحل إشكالياته، فمادام أن هذه الخدمة مقدمة من أموال الدولة فعلى القائمين توزيعها بالعدالة بين أبناء الوطن، حيث نص النظام الأساسي في الفصل الثالث المادة 15 على الآتي “العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع، تكفلها الدولة.” أما الفصل الرابع في المادة 16 فتنص على “التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية العمانية، والحفاظ على الهُوِيَّة الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح والتآلف”. فلا ريب أن حرمان طلبة مدارس القرى من الخدمة المقدمة من الدولة يعد مخالفة صريحة للنظام الأساسي للدولة مهما كانت الظروف والعقبات فعلى واضعي سياسة هذه البرامج الالتفات إلى هذه الإشكالية وحلّها.
وإن كان هناك عتب كبير فإنه يتوجه إلى القطاع الخاص، ولا سيما الشركات الكبيرة، فنرى أن بعض الشركات الكبيرة تحرص على وضع جل اهتمامها للمدارس القريبة منها ودعّمها حتى أنه في بعض الأحيان يفيض الدعم عن حاجتها ولا حاجة لذكر مآرب هذه الشركات، وإذ نرجو من الجهات المعنية تنظيم هذا الأمر؛ فليس من المعقول أن صافي أرباح هذه الشركات – وهو من خيرات الوطن- أي 5% لخدمة المجتمع يذهب لفئة معينة من المدارس دون أن يكون هناك عدالة في التوزيع، في حين يمكن أن يكون هناك عدالة في التوزيع إذا كان هناك توزيع مركزي لهذه التبرعات، وتوزع على المدارس حسب الكثافة الطلابية وحاجتها.
في الأخير نرجو أن يتم إعادة النظر في أماكن إقامة المراكز الصيفية وألا يتم استثناء أي طالب أو من هو بحكم المستفيد منها، بحجة البعد أو العدد القليل من الطلبة، حيث يمكن أن تتجمع أكثر من مدرسة في مركز صيفي يتوسطهن، وتذليل الصعاب لتقديم هذه الخدمة كما تم تذليل الخدمات الأخرى لمن يحتاجها. فعلينا أن تصل هذه البرامج إلى المستفيد لا أن يصل المستفيد لها؛ حتى تعم الفائدة على الجميع. وصنع شراكة حقيقية بين القائمين على المراكز الصيفية سواء وزارة التربية والتعليم أو وزارة الثقافة والرياضة والشباب والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والمتطوعين من أولياء الأمور.