عصاميون أم عظاميون؟
صالح بن خليفة القرني
تَنَدَّر الكثير من العمانيين وسخروا من جنسية معروفة من العمالة الوافدة، تقوم بتجهيز العرسان، ومن يرغب بلبس الزيّ العمانيّ التقليدي (المصر) وصبّوا جام غضبهم واحتقارهم عليهم، ونسوا أو تناسوا أننا من سلّمناهم رؤوسنا ليضعوا عليها العمامة، ويتفنّنوا بأنواع العمائم العمانية.
تمّكّن هؤلاء من الدخول إلى مفاصل الحياة العمانية، فصنعوا الكمة وخاطوا الدشداشة، بل وصاغوا الخنجر، فيأتي بعد ذلك أحدهم ويقول: نفتخر بالكمة العمانية والدشداشة العمانية والخنجر العماني، أما الفخر فنعم، ولكن هل نحن من نصنع ما نلبس؟ ألم يخط دشداشتك عامل وافد؟ أليس غطاء رأسك (كمتك) من صنعه؟ ألم يقم بصياغة خنجرك؟ أليس هو من يصنع حلواك التي تزاحم عليها أيام العيد؟
يقول الزعيم السياسي والكاتب المصري مصطفى كامل : “إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع، أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء…”.
يأتي هؤلاء العمالة فقراء معدمين، فتجدهم بعد فترة وجيزة أتقنوا اللهجة الدارجة، وسرعان ما تعلّموا صنعة، فهذا الذي يرقى أطول السامقات لا يوجد في بلاده نخلة واحدة، وذاك الذي صاغ الخنجر لم يتعامل مع الفضة في حياته البتة، ولكنها الحاجة التي جعلت من هؤلاء عصاميين يعتمدون على أنفسهم، والكسل والاعتمادية التي جعلت منّا عظاميين نفتخر بأسلافنا الذين صاروا عظاماً بالية.
شخصياً أعتبر هؤلاء العمالة رجالاً عصاميين، جاءوا لكسب لقمة العيش، ولا ذنب لهم أن وجدوا فُرَصاً فاستغلّوها، وقد كتب الله تعالى لهم رزقاً في بلادنا، ويقدّمون لنا خدمات جليلة ولا يمكن لنا الاستغناء عنهم، ولكن هل من مانع أن يعمل العماني في حقله ومصنعه ومتجره؟
أليس البلد يُبنى بسواعد أبنائه؟
لستُ هنا للمطالبة بتعمين المهن البسيطة، ولكنني أناقش فكرة الاعتماد على النفس، فالابن الذي يتركه والده يغطّ في نومه حتى الظهر، ثمّ يستيقظ فيجد كل شيء جاهزا، دون أن يبذل أدنى جهد، ليس إلا عالةً على المجتمع، بينما تجد غيره من الأبناء من يستيقظ من نومه باكراً، فيرتب فراشه ويغسل ملابسه ويكويها ويصنع طعامه وهو نفسه الذي سيذهب إلى حقل والده ويسهم في الأعمال الزراعية، وهو من سيساعد والده في متجره، وهو من يعوّل عليه الوطن في نهضته وتقدّمه، وبمثل الأخير نقول: إننا عصاميون لا عظاميون.