في محراب المتّقين
مياء الصوافية
عرفتُكَ تُسارع خُطاك في درب النور والملكوت ومصابيح الهداية، حين كانت ضفاف الضياء محمّلة بمراكب الأنس السماويّ، تقطف حين فجر منها نسمات الراحة، وتلقيها في قلبك كأصوات رجاء، وسحائب يقين، ودموع تبتّل، هذه التي تعرج بك إلى معراج السماوات.
أقمتَ في أنوار المحاريب، وفي عباءة المتضرعين؛ فغشى روحك القرب والقربات من رب السماوات، كرزقٍ جاءك حين يرزق الله من يشاء.
كأنكَ قد لجمتَ هوى نفسك، وسار فرسُك كثُلّةٍ من المقربين، وكان البرّ منبع خير يروي جداول تقواك؛ فغدا دوحك بساطاً من مغفرة، وقد أفلح برضوان من الله.
تتسارع خطاكَ برباطِ المتعلق بأذانٍ وإقامة، تقطف منهما وبعدهما التقوى زاداً لروحك؛ لتسبح في ملكوت السماوات المُشرعة للابتهالات الآتية من قلبك الذي افترش ظلّ اليقين
في وقت النور.
أتيتَ كما جاءت البشارات؛ كعابدٍ في محرابه تحثّ الخُطى لدرب الصلاة، يزفّك قلبٌ اخضرّ مستظِلٌ بتقواه، ولاذ إلى ورع سلواه، أصبحت كغرسٍ مخضرٍّ تمدّ الجوارح بمدّ الصدق، تطهّرك أنفاس القرآن، حين جعلتها كمعنى حياة، تستضيء بنفحاتها كمشعلٍ في درب نجاتك.
تنشد عبادة المتبتلين، تفترش دموع الوجل؛ خوفاً من يومٍ ترجع فيه إلى الله، ترتجف ارتجافة الخائفين المتضرعين، وجوارحكَ باتت حيِيّة حيّة تتغذّى من النور، و تقتات من زاد الإيمان في كنف الرحمن.
عرفتُكَ أن لك من الصحابة روح، ومن سجاياهم قدوة، ومن السير على دربهم أُنسٌ ومحراب.
تصمتُ حين يأخذكَ عقلك إلى واحات المتأملين، تنظر إلى ما وراء الصورة، تستظلّ بظلال النور الخارج من لُبّ الصورة والمعنى والصوت؛ فيأخذك تقواك إلى ظلال المعنى البعيد، حيث العبرة يخاطبك بها قرآنك؛ لتصير بذرةً تنمو على ضفاف الهداية، ومصباحها أُنسُك مع الله، وآيات قرآنك.
تلهثُ بعد تعب؛ فكان المستراح شجرة الدّين حين يمتد فهمك؛ فتجمع زاداً لعلّك تكون من أهل التقوى والمغفرة.
تسير إلى منابر التقوي قائلاً: “إنها دربٌ من جنّة وإلى الجنة، وبأن الدستور واضحٌ من رب السماء بأن نكون خلفاء نزرع الخير ببذور الإيمان، وأن نقيم أُسُس الحياة برباط الشريعة.
أيها العابد الناسك، تغوص في بحر أنسك ما بين صلاةٍ وصلاة، تتمعّن كل حرفٍ من القرآن قائلاً: “هو نورٌ يهديني السبيل القويم، وأنا مع القرآن كأني مع العالَم أجمع، يأتيني القرآن بأنفاس كل روح في هذه الأرض، هو الحياة والأُنس”.
تبحث عن طهارة الجوارح؛ فتحلّق بنفسك عن كل ما مِن شأنه أن يُسوِّد نضارتها.
أيها الناسك العابد، يقولون بأنهم مسلمون مؤمنون، وربما هناك المسلم غير المؤمن، أو أن المسلم هو اسمٌ دون معنىً، لكنكَ والله المؤمن الإيمان القلبيّ؛ فجذوة الإيمان أشعلت قلبك، فنالت جوارحك الفوز بالصواب.
ترتعد فرائصكَ، ويبرق في عينيكَ الخوف إذا ذُكِرتْ الآخرة قائلاً: “كلنا عائدون لله؛ فلنُعِدّ العدّة ليوم العودة، ولنُحسن الاختبار؛ فالموت حينه آتٍ لا محالة، وخيامه ستُنصب على الأجساد، وستفارق الرّوح أُنسها الدنيويَّ؛ فلنَبنِ قصور الأُنس الأخرويِّ”.