ما حكم التصوير أمام الكعبة في الحج؟
فوزي بن يونس بن حديد
abuadam22f@gmail.com
يستعد حُجاج بيت الله الحرام في هذه الأيام للتوجه إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج، والاستمتاع بلقاء رب العزّة والجلال، وكلّهم سعداءُ بهذه الرحلة الربانية ونفحاتها الإيمانية، يأتون من كل صوب وحدب ومن كلّ فجٍّ عميق، ينوون أداء مناسك الحج في جوّ من التجمع الكبير الذي لا مثيل له، وأمام هذا الجهاد الكبير تكابد كل نفس من أجل نيل رضا الرحمن الرحيم، والفوز بقبول العبادة من ربّ العالمين، فهي تشقّ صعاب الطريق وتتحمّل الحرّ ومشقّته، وتترك الأهل والولد والوطن والمال، وترنو للقاء ربّ الأكوان في أقدس مكان، حيث الملائكة تصطفّ مع وفود الرحمن، مخاطباً إياهم: يا عبادي إني مباهٍ بكم ملائكتي في هذه الأيام الحِسان.
ولا شك أن كل حاجّ تزوّد بما يكفيه أثناء رحلته المقدّسة حتى يؤدي المناسك بكل يُسر وسهولة، من بداية الحجّ إلى نهايته، مع توافر الوسائل الحديثة المُتاحة للراحة في كل خطوة يخطوها الحاج، ورغم ذلك هو يواجه تحديات وصعوبات جمّة وكبيرة عليه أن يستعد لها جيداً في كل مرحلة من مراحل رحلته، كما أن عليه أن يعلم أن رحلته تلك لا تخلو من مفاجآت لم يحسب لها حساباً، قد تُربك خططه وبرنامجه، وبالتالي عليه أن يتصرف بحكمة بالغة، ويحرص على أداء أركان الحجّ كاملة دون نقصان، ويأتي بالنوافل قدر الإمكان، ويستمسك بحبل الله المنّان.
رحلة الحجّ ليست ككلّ الرحلات، فهي مقدّسة لقدسية المكان، تفرض على الحاجّ أن يلتزم بالهدوء والسكينة والانضباط والالتزام بعيداً عن الضوضاء والهرج والمرج وافتعال الأحداث، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ” فيشعر الحاج بعدها وكأنه بدأ حياةً جديدة بعد أن غسل ذنوبه ورجع من هناك صفحة بيضاء نقية لا غشاوة عليها.
لكن الذي يحزّ في النفس ما يقوم به بعض الحجاج وصار مع مرور الوقت ظاهرة غريبة ومخالفة صريحة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم في ذلك المكان أمام الكعبة المشرّفة، من تسجيل مقاطع فيديو أو تصوير نفسه بلباس الإحرام ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وانتظار التعليقات والتأييدات ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في ما يجري في المكان، فالحاجّ مطالَبٌ بأن يحترم بيت الله وما فيه من مهابة المكان، واستحضار مشهد الوقوف بين يدي الله تعالى، واستذكار ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس لديه وقت للتصوير ومتابعة التعليقات ومشاهدة الصور والفيديوهات، عليه أن يستغلّ كل وقته فيما أمر الله تعالى به طوال أيام الحج، وأن يعاهد الله على أن لا يفسق أو أن يرفث في الحج، ويحرص على أن لا يدبّ في نفسه الرياء الذي يهدم الأعمال حتى يعود كيوم ولدته أمه.
وأمام هذه التصرفات المشينة لفريضة الحج والمسيئة لقدسية المكان المبارك، يبقى على الفقهاء والعلماء توجيه حجاج بيت الله الحرام وتذكيرهم بما أعدّه الله تبارك وتعالى للحاج من خير عميم وأجرٍ كبير، وتحذيرهم من هذه التصرفات التي انتشرت كالنار في الهشيم وإصدار فتاوى تحرّم أو تجرّم هذا الفعل وتجعله ضمن أفعال الفسق والرفث التي تفسد الحج، وربما تبطله، مع اعتبار القواعد الشرعية والضوابط الدينية والعلل الافتراضية التي تسمح للمفتي أن يصدر فتوى صريحة في هذا الباب، وليكفّ الناس عن الاستمراء والاستمرار في إتيان هذا الفعل المقلق والمزعج على حدٍّ سواء، فالحج عبادة مقدسة، يريد الحاج من خلالها أن يحظى برعاية الله ورضاه، لذلك عليه أن يلتزم بما أمر الله ورسوله وينتهي عند نواهيهما.
تقبّل الله من حجاج بيت الله الحرام مسعاهم جميعاً، وحجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وتجارة لن تبور، ونسأل الله لهم التوفيق في كل خطوة يخطونها في سبيل الله.