الأربعاء: 8 مايو 2024م - العدد رقم 2132
مقالات صحفية

هل حقًا كنت أنا ؟

محمد بن خلفان الشهيمي

في إحدى ليالي الشتاء الجميلة التي كانت تتباهى بنسماتها الباردة، وتختال بقمرها الذي كان ينير سماءها الصافية، على صوت أمواج البحر الهادئة وكأنك تستمع إلى لحن الأرض الواسعة.

و أنا تغمُرني السكينة والهدوء، أسرح تارةً في أحضان ذاك البحر الرائع الجميل، وتارةً أخرى في جمال ذاك القمر المبتسم الذي يراقبني و أراقبه، وأصوات الأمواج التي بدأت وكأنها تناديني: تأمّل هنا، انظر إليّ.

تأملتُ الاثنين معًا القمر و البحر، يا لهذا الإبداع الرباني، كانت الدهشة الرائعة فقد أعطى هذا القمر جمالًا لا يضاهيه جمال في البحر، وكأنه يشقه نصفين من ضوئه، وبدأت عيناي تلمعان من روعة ما أرى في جمال تلك الرمال البيضاء اللامعة مع ضوء القمر.

جعلني هذا الجمال في حيرةٍ من أمري، هل أنا هذا الذي كان في الصباح؟
الذي لعن و شتم هذه المدينة منزعجًا من ازدحام السيارات وضجيج المعاملات على مكتبه، وصراخ مديره؟

هل حقًا كنت أنا؟

هل حقًا كنت أنا مَن أنهكه التعب في الظهيرة، وبدأت ملامح الغضب في وجهه عند رؤية كل معاملة تُوضعُ على مكتبه؟

هل كنت أنا من شتم ولعن هذا المُراجع واتهمه بالبُؤس والتخلف والغباء؟

نعم كنت أنا لأنني لم أنظر إلى العمل من منظور آخر.
و لم أربط حاجة الناس إليّ في تلك اللحظة بأن أسعدهم وأساعدهم ولو بكلمة تُطيب خاطرهم بعد عنائهم للوصول إليّ لأنهي تلك المعاملة التي هم في حاجةً لها، لتكتمل صورة الإبداع بيني وبينهم كما أرآه الآن.

نعم نحن بحاجةٍ لكي نكمل بعضنا بعضا.
نحن بحاجةٍ لنرسم صورة الأخلاق التي بُعث من أجلها رسول الله محمد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما قال:
{إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق} صدق رسول الله.

نحن بحاجةٍ لكي نتعلم بأن العمل عبادة والابتسامة صدقة، وأنك مُحاسَب من الله تعالى إن لم تخلص في عملك.

يجب أن نعلم بأن لا ندع الابتسامة تفارق وجوهنا، لكي نخلق السعادة والحب والطمأنينة لكل من نقابله في حياتنا.

هذه المدينة التي نشتمها ونلعنها هي التي احتضنتنا يومًا من الأيام وأعطتنا من خيراتها وابتسمت لنا ونحن نلعنها وقابلتني الآن بروعة منظرها، وليس في يومٍ فقط، بل في كل نبضة ينبض بها قلبنا ونحن على قيد الحياة.

وتحتضنك في كنفها بعد موتك ولا ترميك.

هذه المدينة هي التي تنهض من أذان الفجر لكي تصلي ركعتين و تعطيك من ما وهبها الله لها، ولا تسألك المقابل والأجر على ذلك العطاء.

هذه المدينة هي أمٌ حنون، ربما أرهقها بعض أبنائها، ولكن لا نرمي اللوم عليها، بل نلوم من لامها.

لم تعلم هذه المدينة أن الذي تفعله من أجلنا دينٌ في أعناقنا إلى يوم القيامة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights