دروس وعبر من “مونديال قطر” في 2022
محمود الجهوري
نجحت دولة قطر الشقيقة في لفت الانتباه إلى وجود ثقافات أخرى مباينة للثقافة الغربية ولها معالم مختلفة؛ فهي تختلف في بعض قيمها ومبادئها، ومثلت القيم الأخلاقية أبرز جوانب الخلاف بين الحضارتين، ففي عام 2022 وقبل افتتاح كأس العالم بأشهر اجتاحت موجة قوية مدعومة من عدد من المنظمات الدولية ظاهرة الشذوذ الجنسي، ورفع العلم المخصص للشذوذ الجنسي في عدد من دول العالم الغربي وفوق عدد من الأبنية الحكومية الهامة، ولوحظ قبل كأس العالم أن عددًا من الأندية في بريطانيا روجت للشذوذ الجنسي، وبثقة عالية وهدوء تام تبنّت قطر هذا القرار ودافعت عنه معتبرة أن الشذوذ الجنسي رذيلة ومخالفة صريحة للدين الإسلامي الحنيف ولمبادئها وقيمها الحضارية.
ونحن لا شك في “معركة قيم” يريد الغرب خاصة أن ينحدر بالقيم الإنسانية السامية إلى الحضيض، ويفرضها فرضاً على جميع دول العالم، لكن ما حدث في “المونديال” برهن على أن الدول والشعوب التي تقدِّر قيمها، وتتمسك بثوابتها ومبادئها ستنتصرُ في نهاية المطاف دون أن تؤثر على التعايش المسالم بين مختلف الثقافات، وهذا درسٌ عظيم لنا نحن المسلمين؛ فما تخلَّى أحدٌ عن قيمه الرفيعة إلا وكان الانحدار مصيره، وما تمسَّك بقيمه إلا رسَّخ أركان ثقافته وهويته.
وقال الدكتور حيدر بن أحمد اللواتي أستاذ بجامعة السلطان قابوس: “أهم ما قامت به دولة قطر الشقيقة في كأس العالم لفتت الانتباه إلى وجود مرجعيات فكرية مختلفة للمجتمعات البشرية كالمجتمعات الإسلامية، ولا يصح فرض مرجعيات فكرية لا تؤمن بها تلك المجتمعات عليها، ومن هنا فعلى المجتمع الدولي والمنظمات العالمية أن تضع في حسبانها تلك المرجعيات عندما تضع مبادئها العامة، فكما أن هناك مشتركات بين المجتمعات البشرية فهناك خصوصيات تمايز بعضهم عن بعض”.
وأضاف اللواتي؛ “أن مقابل موقف قطر الرصين، كشف كأس العالم الوجه الآخر للحضارة الغربية، وكيف أن عددًا من تلك الدول وشعوبها اعتبرت أن القيم التي يحملونها هي القيم الصحيحة التي يجب أن تفرض على الجميع وأنهم هم أصحاب الحق المطلق في فرض فكرهم وقيمهم، بينما كانوا يتشدقون بفكرة حرية المجتمعات في اتخاذ قراراتها”.
وتابع الدكتور حيدر؛ “الخلاف الحضاري انعكس على موقف الجماهير العربية أيضا، فلقد فقدت بعض المنتخبات التي كان لها جماهير عريضة في عالمنا العربي دعم وشعوب تلك الجماهير وخاصة بعض المنتخبات الأوروبية، كالمنتخب الألماني والبريطاني”.
وبيّن اللواتي نجاح دولة قطر في الحفاظ على هويتها وقيمها ونشر ثقافتها في ظاهرة عالمية يوضح لنا أهمية استخدام الوسائل والطرق الصحيحة في تحقيق أهدافنا وذلك من خلال استخدام أدوات العصر ولغته التي يفهمها الآخرون، وأن استخدام أساليب بالية قديمة لا تجدي نفعًا فهي لغة لا يفهمها العالم؛ بل ربما تخلق حاجزًا بيننا وبين بقية المجتمعات البشرية، وسنفشل حينها في تحقيق أهدافنا.
من جهته، أوضح الدكتور صالح بن محمد الفهدي كاتب ورئيس مركز قيم ومهتم بتعزيز القيم الإنسانية وركائز النهضة العربية؛ “أن مونديال قطر 2022 لم يكن مجرد تظاهرة كروية وإِنما أفرز تباينات ثقافية في قضايا أخلاقية مفصلية، وليس الأمر مقصوراً على مجرَّد بيان المواقف وتبنِّيها وإِنما فرضها على دولة قطر فرضاً قسرياً خاصَّة من قبل بعض الدول الغربية خاصَّةً والتي تدَّعى الديمقراطية”. لافتًا أن حرية الرأي والتعبير واحترام سيادة الدول، بيدَ أن مواقفها التي أظهرتها في قضايا إباحة الشذوذ، وحقوق الشاذِّين المنحلِّين أخلاقياً أوضحت أن هذه الدول متناقضة في مبادئها، معاكسة للشعارات التي ترفعها.
وذكر الفهدي؛ “أظهرت -هذه الدول- جانباً قبيحاً في تعاطيها مع ثقافات الدول الأُخرى بإكراهها تبنِّي مواقفها إزاء هذه القضايا التي تناقض ثقافتنا العربية الإسلامية، وأظهرت مدى ما وصلت إليه هذه الدول من عدم احترام سيادة الدول ولا تقدير شعوبها، لكن الموقف المشرف لدولة قطر أظهر تمسُّكها بقيمها السامية، وأصالتها العريقة، وأثبتت أن قيمها هي جزء أساس من سيادتها، فكان موقفها مشرِّفاً للمسلمين وللعرب”.
ومضى قائلًا: “رأينا كيف أن شعوب العالم على اختلافها وهي تُثني على ثقافتنا العربية الإسلامية في الضيافة، والكرم والمودة، وحسن المعاملة، والاحترام، وحسن التنظيم، ورأينا كيف أن شرائح مختلفة قد جذبتها هذه الثقافة فتوجهت إلى المسجد لتستفسر عن الإسلام، وطعمت المأكولات العربية، ولبست “العقال” الخليجي والملابس العربية، وأظهرت بـ”البشت” القطري رمز الفخامة والرقي”.
وقال الدكتور حيدر بن عبدالرضا اللواتي كاتب في الشوؤن الاقتصادية: “هذه البطولة والجهود التي بذلتها دولة قطر لتسويقها تؤكد بأنها نجحت في مساعيها في تنظيم أجمل مونديال في الافتتاح والختام على المستوى العالمي بجانب تسويقها للحدث ثقافياً وسياحياً واقتصادياً، وعلى مختلف المستويات الأخرى”.
ويشير اللواتي إلى أن قطر نجحت في تعريفها للمنطقة وشعبها وثقافتها لكل ما هو موجود لدينا، مؤكدًا أن الأيام المقبلة ستثبت بأن العنصريين الذين يحاربون المسلمين بوسائلهم القذرة سوف يفشلون في خططهم وسياساتهم العرجاء؛ لأن هذا الحدث عرف العالم الكثير عن دولنا وشعوبنا وعاداتنا وتقاليدنا وحبنا للآخرين، وسماحتنا في الكثير من الأمور؛ حيث إن ملايين من الناس تابعوا هذا الحدث الذي وصفه الكثير منهم بأنه أظهر حسن التنطيم والاستضافة، بجانب ما أظهره شعب قطر من التسامح والمعاملة الحسنة والضيافة الكريمة، الأمر الذي يساهم في دحض المزاعم والافتراءات والأكاذيب التي روجّها بعضهم خلال السنوات الاثني عشر الماضية.