لأنه أرادها .. عاد لأخذها
شريفة بنت راشد القطيطية
إن لم تكن الحياة عادلة، سنأخذها على محمل الجد ونتقي شرها لنتعامل مع الأوضاع الراهنة بصمت؛ لكي لا نضطر التجديف في بحيرة ماء الوجوه التي سكبت عبثا، ثم نتخذ البرمجة لحصيلة ما لدينا من إمكانيات، ونعد العدة ونتوكل على الله وندخل إلى التسوق في محل تجاري، لقد كانت لديه الأماني الوافرة ليأتي لذلك المكان ومعه زوجته وأولاده، وكعادة الأطفال يقطفون الأزهار من أي مكان، ويعدون دون حلم لأخذ ما يحبون.
كعادة الأحلام القاسية أن تغمق الجروح وتضعك في مواقف محرجة على غير العادة، وثمة نقص ينتظرك عند الدفع بعد تجولك لأخذ فتات الحياة، وما الحياة؛ وجود غرة هلالك على منابع الماء وأفران الخبز ومواقد البسطاء وموائد الأغنياء، وإن تطور الأمر تأمل بشيء من الكماليات ليسد رمق الاحتياجات الخاصة، ولتكن لديك المقارنة بين الجيوب.
كيف نكتب لأنفسنا ميزة التطاول على ورق نقدي قد يتحكم بنا يوما ما؟، وكيف نستشعر لذة الشراء وغصة الحاجة؟، هل مر عليك أن نمت أو أصبحت دون طعام ؟ هل توقف نبض نقودك وخذلتك حتى عن تناول حديث معها؟، هل أسأت التصرف معها لتجرك بلا رحمة لفقر سحيق وجيب ممزق؟، هل ما زلت تنظر للأشياء من خلف الزجاج، كل هذه الأسئلة موجعة، ولكنها تعودك على الاجتهاد ونبذ الصمت والتحول إلى رقم مشبع بالأصفار، هل جربت يوما أن تقف عاجزا عن دفع حسابك، وتضطر أن ترجع بعض الأشياء ليستقيم الميزان، ويقطر منه حياء وكبرياء مخذولين؟، هل جربت الصمت وقت اتخاذ القرار وأخذ هويتك واسترجاعها إلى مقود العافية.
ما زلت أذكر لمعة عينيه وهو ينظر لعرضه الملقى على قارعة المنضدة المهملة بجانب المحاسب، وبعض ورق نقدي يدل على التقاطه من أطفاله أو أحد عابر سبيل وعيناه تشيران إلى إعادة غرضه المرغوب فيه، حين تهينك الحياة لهذه الدرجة؛ عطل مسار خطواتها، وترجل عن فرسك المتهالك، وخض معارك لا يعلمها إلا الله، وأيقظ جهدك ونباهتك للسير قدما وتوسط عين الذل واقهره.
لأنه أرادها عاد لأخذها ومراسي الخذلان لها شأن ٱخر، وماء وجهه تحول سرابا وأطفأ وهج الشمس، أن تشد على يد الفقر وتسلمه زمام الأمور أشرف من أن تضع نفسك بين الخيار والبديل والعوز والحاجة، وان لا تذيب وجهك لشيء تافه لا يستحق نظرة عينيك البائسة، وخلوك من الكبرياء.