أمانة الكلمة
هلال السليماني
حين تتبدل معايير الحكم على الناس، تختلط على المرء الكثير من الأمور وتضيع الحقيقة، وتنحرف معها البوصلة عند بعضهم، فيتخبطون في الأحكام، وقد يصيبون بسهام نقدهم وآرائهم فريقا دون قصد. فمن لم يكن له رصيد من التجربة والخبرة، لا ينبغي له أن يخوض في هذا الجانب، حتى لا يجد نفسه في متاهة لا يعرف آخرها. هذا الذي يرمي بسهام نقده طائفة بل جيلا لم يعرف عنه شيء، ولم يقرأ من صفحاته سوى القشور. وكما يقولون: “عرفت شيئا وغابت عنك أشياء”؛ ولهذا فالمنطلق والحكمة تقتضي التبين حتى لا يصيب الإنسان قوما بجهالة.
إن التراب الذي نشأنا فيه لا يتحمل هذا الغثاء فالذين لم تتطلع عيونهم يومًا إلى السماء الصافية التي تغلف فضاء الوطن، ولا اكتحلت بأنوار الفجر وما نظرت إلى قامات النخيل ولا إلى صفاء الأفلاج، أحسب أن هؤلاء لم يكونوا يوما جزءا من النسيج العُماني ثقافة وفكرا، وما انكبوا يستلهمون من تاريخه وشخوصه وعلمائه وقاماته، كل همهم النظر إلى الخارج، والتطلع إلى تلك الأفكار المستوردة التي جربها الآخرون ردحًا من الزمن، ثم ما لبثوا أن ارتدوا على أعقابهم بعد أن تكشفت لهم غايتها وغوايتها.
لقد بقي صدى تلك الأفكار المستوردة يتردد في حجرات عقولهم، لا يعرفون الجذور التي تشكلت عبر مسيرة ممتدة، حاضرة بحضور المشهد العُماني في كل العصور والأزمنة.
تلك القدوات لم يكونوا استثناء بل كانوا قاعدة تشكل منها المشهد الثقافي الأصيل عمانيًا خالصا؛ لذا يصعب اقتلاع جذورها لأنها موغلة في ثنايا الأرض، منتشرة في أجوائها وفي جبالها وسهولها، مختلط بكل قطرة ماء في أفلاجها وعيونها. إنها النخيل الباسقة الممتدة إلى عنان السماء، والجذور الضاربة في أعماق الأرض؛ هؤلاء يشبهوننا علماء أجلاء نشروا الضياء حين كانت دياجير العتمة تضرب الأنحاء، وحاولوا إنارة الدرب لمن ضل الطريق، إنهم الأنوار الساطعة التي نهتدي بها في ظلمات الليل، وما عليكم أيها التائهون الذين ضللتم الطريق، وتقطعت بكم السبل إلا أن تنحنوا إجلالًا لهذه القامات التي ننتمي إليها.
عليكم أن تتركوا العبث؛ فالحياة ما عادت تتحمل هذا الغثاء، ندرك أنكم تعيشون لحظات فقدان التوازن كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وتتطلعون إلى النور، وترمقون قمم الجبال من بعيد؛ فإن شئتم كونوا صفًا مع هذا الوطن، مع كل ثوابته وأصوله، ومع كل صفحة مشرقة في تاريخه، أئمة وعلماء وسلاطين، حفروا في صخور المجد وتعلقت أفئدتهم إلى العلياء.