ضجيج عابر
أشواق العَمرية
المجهول المعنيّ برسالتي هذه إليك نبض حرفي:
الساعة الآن الثانية عشر صباحاً تدقّ أجراسها معلنة
بداية فجر جديد، مضى وقت طويل على آخر مرة
اتكأت فيها على منضدتي لأشعل قيثارة محبرتي.
مضى وقت طويل على آخر مرة حاربت فيها شعوري.
الشعور الذي لا يمكن لأي واقع افتراضي ترجمته، إنها المحاولة العاشرة لكتابة هذه الرسالة.
عزيزي:
مرّ وقتٌ طويل لم تصلك رسائلي.
فأنا أكتب إليك وأعلم أنّ هذا لا يعنيك.
أعلم أن المرء أحياناً يصل لمرحلة لا يستطيع فيها الحديث عن ما يعتري جوفه مهما حدث، إنها غُربة الشعور.
غربة الروح، إنها مشقّة الوقوف بعد طول المسير.
إنه لشعور غريب أن أكتب لك وكأنه في يوم من الأيام لم يكن هناك وصل بيننا، وإنه لشعور مرير أن أجتمع بك وكأنك شخص غريب لم ألتقي به إلا بصدفة القدر العابر، إنها مهزلة الأيام.
يا صديقي القديم:
لم تكن فكرة التخلّي فكرتي، ولم تكن سهلة عليّ، لكنني تأذيت كثيراً.
أذكر ذات ليلة مرعبة بكيت فيها طويلاً، أخبرتك حينها بخذلان البعض، ثم تلوت لك رجائي “لا تخذلني مثلهم”.
تحدثت معك عن قسوة بعض الأصدقاء لتعي أنني أريدك صديقي الوحيد.
أتعلم أنني تشبّثتُ بك لآخر رمق أمل، لتبقى معي لأنني أكره الرحيل.
حدثتك حينها يا رفيقي عن كل تفاهة الأوغاد الذين التقيت بهم في حياتي، حتى أثبت لنفسي أنك أسوأ منهم.
لن نعود يا رفيقي فهذا ليس له علاقة بما حدث بيننا، بل هناك أمر أسوأ منه بكثير “أفلتّ يدك مني في الوقت الذي كنت تعلم أن روحي تُزهق”.
أنك لم تَعُد أنت.
فأنا أفتقدك الآن.
وربما أحتاج إليك في كثير من الأحيان.
ولكن بعد كل هذا.
أعلم أننا لن نعود سويةً مرة أخرى، وأعلم أنك تشعر ما أشعر به الآن.
أنا هُنا ستجدني دائماً حينما تغدو بلا وجهة.
حين تُصبح الأشياء مبهمة ولا طاقة بك لِفهم ما يدور حولك.
حين تقف في منتصف دروب الحياة، هناك أنا.
هاك كُلي.
واتّكئ.
كُن بخير.
إلى اللقاء.