رحلة أوروبية .. “لباري” الإيطالية
سعيد بن خميس الهنداسي
تشتهر أوروبا بالمعالم السياحية الجميلة, بما فيها كثير من المناظر الطبيعية من سهول وجبال وقرى وأرياف وقطع فنية وثروات معمارية قديمة وحديثة، وحضارات سمعنا عنها كثير من الروايات امتزج معها الواقع بالخيال، فالمقومات السياحية على الأرض شاهدة على ذلك وعوامل الجذب الحديثة متعددة، ومن هذا المنطلق طرحت مجموعة السفر الخاصة بالزملاء بالبلد في شهر يوليو من عام ٢٠٢٢م فكرة السفر لعدة دول أوروبية، على أن يرتب لها بعناية وأن تكون اقتصادية وغير مكلفة قدر الإمكان؛ لذا تم التنسيق مع مكتب سفريات قريب وطرحنا عليه الفكرة، ومن جهته أخذ وقته في تحديد مسار الرحلة، ثم تم الإتفاق على أن تكون محطتنا الأولى إيطاليا، ثم فرنسا فسويسرا والبوسنة والهرسك، وتم تحديد مساء يوم ٨ أكتوبر للسفر من مطار أبوظبي عبر طيران “وز”، وبسعر مناسب للجميع، فما هي التحديات التي واجهتنا في هذه الرحلة، وكيف سارت الأمور، وما هو الانطباع الذي خرجنا به من هذه السفرة؟. هذا ما سوف نبينه في هذا المقال أيضًا.
لقد كان بالنسبة لنا أكبر تحدي؛ هو الحصول على تأشيرة تشنجن الخاصة بالدول الأوربية المراد السفر لها، فهناك عدة متطلبات يتوجب استكمالها حتى نستطيع تحديد موعد للمقابلة بإحدى السفارات الأوربية الموجودة بالسلطنة، مثل: إرفاق تذكرة السفر (ذهاب وعودة)، إرفاق حجز الفنادق، إرفاق كشف حساب بنكي لثلاثة أشهر لا يقل به الرصيد عن ألف ريال عُماني عند استخراجه، إرفاق تأمين صحي يغطي فترة الرحلة كاملة، صورة خلفية بيضاء حاسر الرأس، تعبئة استمارة طلب التأشيرة، ودفع رسوم الطلب ورسوم التأشيرة، ومع كثرة هذه التعقيدات استطاع ستة أشخاص من المجموعة فقط تكملة كل المتطلبات، وبعد عناء طويل تم الحصول على التأشيرات السياحية المطلوبة خلال أسبوع من تقديم الطلب، بعدها أخذنا نعد حقيبة كبيرة لنقل ما نحتاجه بها من طعام لتقليل التكلفة وتوفير وجبات مهمة خلال فترة السفر.
أما التحدي الآخر فقد كان هو الخوف من مفاجئات شركة الطيران والتي لم نسلم منها، فقد تفاجئنا بأربعة تغيرات على حجوزات السفر, الأول إلغاء الحجز بين إيطاليا وسويسرا، وهذا والحمد لله لم يكن له تأثير على سير الرحلة بل على العكس أعطانا حرية في اختيار الوقت الذي يناسبنا للذهاب لسويسرا واختيار وسيلة نقل أفضل، واستفدنا من مبلغ الحجز الملغي في الحجز لحقيبة التغذية، والتغير الثاني كان, إلغاء الحجز بين سويسرا والبوسنة إلا أننا توفقنا في الحجز لليوم التالي وهذا والحمد لله أعطانا يوم إضافي بالبوسنة كنا محتاجين له، أما التغيرات الأخرى فكانت تأخير الطيران في الإقلاع لبضع دقائق أو ساعات وهذا شيء طبيعي قد يحدث في أغلب الرحلات ولم يؤثر علينا كثيرًا في المجمل.
وفي الموعد المقرر للسفر توجهنا لمطار أبوظبي وكلنا حماس واشتياق لخوض هذه التجربة الجديدة، حيث أقلع طيران “وز” عند الساعة الحادية عشر ليلا متأخرًا نصف ساعة عن الموعد المحدد، وقد وصلنا لمطار “باري” بإيطاليا عند الساعة الثالثة فجرًا من يوم ٩ أكتوبر، وأول انطباع لنا كان عن مقاطعة الجنوب الصغيرة هو المطار؛ فهو ليس بالكبير لكنه جميل ومطور وكل مرافقه حديثة ومربوط بخطوط مواصلات متنوعة, وبما إننا كنا حاجزين سكن عن طريق النت ليوم واحد بمدينة “باري” فقد استقلينا القطار من محطة المطار إلى محطة وسط المدينة، وبعد وصولنا استفدنا من ميزة النت الدولية المتوفرة عند بعضنا في تحديد مسارنا للسكن وكانت درجة الحرارة عندها ١٤ درجة، جلسنا لبعض الوقت في مقهى قريب منه تناولنا المشروبات الساخنة وبعض المأكولات الخفيفة، ثم تحركنا للسكن ودخلنا بالتنسيق مع المؤجر قبل الموعد مستفيدين من ذلك في توفير إيجار اليوم الأول, ثم استرحنا وبعد ذلك قمنا بإعداد وجبة الغداء, وكنا ننزل للجلوس بالحديقة القريبة من السكن حيث لاحظنا أن مرتادي هذه الحديقة من كبار السن وكل شخص معه رفيق في الغالب يكون كلب ليعوضه عن دور الأسرة, فطبيعة الحياة بأوروبا تقتصر غالبًا على الزوج والزوجة أما الأبناء فبعد بلوغهم سن الرشد يستحب أن يعتمدوا على أنفسهم، كما أن نظام تكوين الأسرة في الغرب يعتمد على مدى قوة أو ضعف العلاقات بين أفرادها، وغالبًا ما تكون مكانة الأب والأم مهمشة في حياة الأسرة، ومن أسباب تفكك الأسرة الأوروبية أيضًا إرتفاع نسبة الطلاق.
عند المساء خرجنا في جولة استكشافية على الأقدام لمدينة “باري” الساحلية الواقعة على البحر الادرياتيكي حيث تعد واحدة من المزارات التي تنفرد بالكثير من الميزات السياحية، وتلفت أنظار السياح إليها من خلال شوارعها المرصوفة بالحصى، ثم توجهنا جهة الشاطئ والميناء وقلعة “باري” الأثرية، ثم زرنا البلدة القديمة النابضة بالحياة وصادف وجودنا هناك عروض موسيقية، ثم جلسنا بمقهى لتناول بعضا مما تقدمه المقاهي كالمشروبات الساخنة والباردة والآيسكريم والكرواسون والكيك, ثم عدنا للسكن بعد الاستمتاع بقضاء يومنا الأول.
وفي صباح اليوم التالي، جهزنا أنفسنا لمغادرة السكن واستقلينا سيارة الأجرة ليأخذنا في جولة حول مدينة “باري” والكورنيش، والحي الفني الجميل الذي يعكس صورة لا مثيل لها عن فن العمارة القديمة من القرن التاسع عشر الميلادي, وفي كل موقع ننزل قليلاً لتوثيقه ببعض الصور والذكريات, وفي طريقنا شاهدنا الكثير من الفواكه التي تشتهر بها المدينة ويتم عرضها على جوانب الشارع فقمنا بالشراء من مختلف أنواعها المعروضة والتي تتميز بطعمها ولذتها الفائقة, حتى حان موعد توجهنا في المساء للمطار وسط أجواء غائمة محملة بالهواء العليل والرذاذ اللطيف والأمطار الخفيفة تصحبنا إلى هناك, وكأنها تشاركنا متعة التجوال وتكرمنا من بعض خيرات السماء التي يمن الله بها على هذه البلاد, وفي المطار تأخرت الرحلة لبضع ساعات استفدنا منها بتذكر بعض أشيائنا بالسكن الذي يبعد عن المطار ربع ساعة تقريبا فقمنا باسترجاعها, وخلال ما تبقى من الوقت استغليناها في أداء الصلاة وشحن الهواتف وأخذنا في تناول الوجبات والمشروبات الباردة والساخنة بمقاهي المطار, حتى حان موعد فتح كونتر طيران “وز” لتأكيد الحجز, وهنا فاجئنا موظف الطيران باحتساب مبلغ وزن على حقيبتي شحن يدوية بمبلغ قارب الثلاثين ريال عماني, علما بأن نفس الحقيبتين تم تمريرهما من كونتر مطار أبوظبي دون احتساب أي رسوم!
على العموم باقي الإجراءات سارت على ما يرام حتى دخولنا الطائرة المتوجهة إلى مطار آخر بإيطاليا, وهنا نصل إلى ختام يومنا الثاني مواصلين الاستمتاع بقضاء أجمل اللحظات في سجل الذكريات لرحلتنا الاوربية.