رَمضان والدراما السّوداء
هادي أحمد العبدو
الدراما من أهم أدوات “القوة الناعمة” قوة جذب الأمة التي تمتلكها الدول؛ حيث تحرص الدول على تطوير مثل هذه الصناعات من أجل تعزيز وجودها، وربّما قوتها خارج حدودها الجغرافية. أصبح تسْيِيس صناعة السينما والدراما على الصعيدين العالمي والإقليمي واضحًا بشكل مُتزايد في السنوات الأخيرة، لا سيما بالنظر إلى التقدم التكنولوجي الذي استفادت منه الصناعة. لقد جعلته هذه التطورات أكثر جاذبية وقابلية للتسويق في الخارج.
في هذا السياق تنوعت أهداف صناعة الدراما، من تعزيز السياحة، إلى تحسين صورة البلد، وتدليس الواقع إلى خدمة أجندات السياسة الخارجية إلى أمور أخرى.
وبعيداً عن الحالة الإيجابية للدراما والتي تدعم التقدم، وتجسّد التطور، وتُستخدم لدعم التواصل التنموي؛ ففي الواقع نرى من القُبح والابتذال، الإسفاف والتزْييف، المطّ والتطويل، والابتعاد عن مشكلات المجتمع الحقيقية واستلاب الوعي، والإغراق في مشاهد تفسخ العلاقات الأسرية ومشكلات المخدرات بأحدث أنواعها، والجرائم بمختلف أسبابها؛ حيث تتجلى بوضوح السمات العامة للدراما الرمضانيّة والإشادة بها على نطاق واسع كوسيلة لعكس المجتمع، ومن هنا نعود إلى الاعتقاد السائد بأن الدراما هي تمثيل للحياة. نُشرتْ هذه السمة القوية للدراما من الكتاب المسرحيين عبر عصور مختلفة لعمل تعليقات بناءة على الأحداث داخل مجتمعاتهم المختلفة بهدف إحداث تغيير إيجابي؛ نتيجة للدور الهام للدراما في المجتمع، فأصبح من المهم بشكل متزايد كتابة الدراما وتمثيلها باستخدام طريقة يفهمها الناس.
تُشير البيانات الكمية ضمن نظريات التأطير والتربية الزمانية والاجتماعية القائمة على السياق من خلال النموذج التحليلي للخطاب النقدي؛ أن صُنّاع الدراما ومُخرجيها يمارسون عملية تأطير واضحة بما يخدم خِطاب السلطة من جهة، وخِطاب العُري والانحطاط والمنفعة من جهة أخرى على حساب الواقع، والترفيه، والتثقيف، والإلهام؛ بما في ذلك على سبيل المثال ما نشاهده من أحداث _في مسلسل “الزند” ذئب العاصي_ لإعادة صياغة الأحداث والحقائق التاريخية بطريقة طائفية مذهبية رسمها في لكنة أبطال المسلسل، وجغرافية أحداثه لتوجيه رسائل سياسية مختلفة..
ومن الناحية الإعلامية نقف على عبارة “الكتاب يُعرف من عنوانه” كما يُقال. والفيلم أو المسلسل يظهر من عنوانه وملصقه «البوستر» وإعلانه التشويقى «التريلر أو البرومو – Promo,Trailer». حيث إن البوستر وتوليف التريلر جزء من قدرة العمل الدرامي على التأثير في الجمهور؛ وهي أدوات تجعله لافتا للأنظار وسط السوق الدرامي، وإنّ المؤسسات الإعلامية وشركات الإعلان هي التي تحكم إنتاج الدراما التلفزيونية وتفرضها على المُستهلكين المستهدفين، سواء وافقوا أو خالفوا هذه النصوص، كما أن الترويج والتسويق الإعلامي بزخم مُتناسق يساعد على الوصول إلى الفئات المستهدفة من العمل، وهي ميزة شاهدناها على مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة لبعض الأعمال، منها مسلسل “العربجي” أو “الزند” والتي افتقدها بدرجة كبيرة مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” _من خلال غيابه عن بعض القنوات الفضائية_ لأسباب مبهمة، وهو مسلسل يسلط الضوء على حقبة مهمة في تاريخ سوريا ونظام الحكم فيها..
وعلى مستوى التأثير لا يُمكن تخيُّل الرسائل السياسية والوعي بالعلامة التجارية والدعائية عندما يكون لديك جمهور أسير لمدة شهر كامل، ومع كل الصخب والإعلانات والعروض تزداد الإمكانات مع خدمات البث التي تسمح للمشاهدين بمشاهدة المزيد من المسلسلات المتاحة وفقًا لجدولهم الزمني، بالإضافة إلى الجدول الزمني المعتاد للتلفزيون الفضائي، وواحدة من أكثر الخدمات شعبية هي “شاهد”، وهي جزء من شبكة MBC المملوكة للمملكة العربية السعودية.
إنّ التفكير في مشاهدة الدراما التلفزيونية وما مدى سيطرة صانِعي الدراما التلفزيونية ومخرجيها، وما العوامل السياسيّة التي تؤثر في المسلسلات على شاشاتنا، وإمكانية وصولك إليها، وخياراتك لعادات المشاهدة – اليوم وغدًا؟
هذه الأسئلة.. الجواب عنها قد يكون مرتبطا بجُزئيّة إيقاف عرض مسلسل “معاوية بن أبي سفيان” في موسم رمضان 1444 هـ والذي أثار جدلًا واسعًا بين مؤيّد ومعارض لأحداث المسلسل!!
وخلاصة القول: لا يمكن للدراما أن تحلّ الأزمات ما لم تلبس لباسها الحقيقي وتحافظ على هُويّتها الثقافية، كما يجب عليها أن تُحرّر نفسها من هيمنة شركات الإنتاج؛ وعدم السماح بتفكيك النسيج الثقافي. فضلاً على وجود محتوى جيد يعكس الواقع، ويتعامل مع القضايا التي تهم المجتمع وتُعالج قضاياه.