2024
Adsense
مقالات صحفية

المدرسة …حياة الطريق من “كشام” إلى “المنزفة”

د. محمد بن أحمد البرواني
‏alnigim@gmail.com

في جلسات الظهيرة نتنسم عبقات التاريخ في “كشام” في مجلس العرفي صالح؛ وزرافات وفرادى من السّواح أجانب وعمانيين؛ جيئة وذهابا في الطريق من “كشام” إلى “المنزفة”، و”كشام” حلة أثرية في ولاية إبراء -السفالة- وكذلك “المنزفة”، ويربطهما طريق ممتد يصل إلى الثلاثة كيلو مترات؛ “كشام” في الشمال و”المنزفة” في الجنوب وما بينهما تاريخ حافل ومآثر؛ ما بينهما العلم، والفقه، والشجاعة، والبسالة، وسوامق من المجد تظهره القصور المعمارية والبيوت الأثرية ذات الزخارف الجميلة في موقع بانورامي جميل يسحر كلّ زائر؛ ارتفاعات تطلّ على بساتين وارفة يستريح فيها قاطنوها بعد عناء يوم عمل من نوافذ بيوتهم، ويستمتعون بمشاهدات النخيل الوارفات الباسقات، ويشاهدون تلك الرياض الغناء المليئة بالتين والفرصاد والجوافة وأشجار السفرجل والبالنج والنارنج؛ وفلج “بومنخرين” الذي يشق طريقه إلى المنزفة وما بعدها؛ فترتاح سرائرهم وتتفتح عقولهم وتنزل قرائح الشعر والأدب في كتاباتهم وجلساتهم.
وكما يقول شاعر نبطي مجهول تتداول شعره الألسن:
“تحت الجبل مديورة وكشام الخيرين
والمنزفة المعمورة فيها أولاد حسين”

أي أن “كشام” تقع في مكان مرتفع تحت الجبل وبالمقابل تلتقيها “المنزفة” بأولاد حسين-البراونه- الذين أسسوا بيوتا فيها كبيت الدروازة والمستشفى القديم، بالإضافة إلى الأبراج الذي عمل على تجديدها وتنظيمها والتي تحيط بالمنزفة.

في الطريق من “كشام” إلى “المنزفة” تجد مآثر أولاد عرفة من محلات ودراويز؛ ثم السكة الحشرية التي يقال مات معظم من سكنها بالوباء وسميت بذلك، وكذلك المقطورة والمطرح سكيكا وممرات تفعم بالحيوية قبل أربعين عاما، وفيها صياغة ناجم وسعيد أولاد نجيم، وبيت علي بن رشيد الضاوي الذي فيه متجر سعيد بن غافل، وفي القناطر بيت المسارير الذي أقام فيه القاضي سليمان بن حامد البراشدي، وعمل في القضاء بالمسجد القريب منه، وتولى الإشراف على بيت المال؛ الذي تولاه من بعده والدي أحمد بن خالد البرواني؛ حيث تشتهر سفالة إبراء بكثرة أوقاف المال التي أوقفت فيها النخيل في مختلف الجوانب سواء لتبادل الرأي والمشورة، إلى المصابيح التي تنير الطريق للمارة ليلا، وهناك بيت المراهبة وبيت أولاد أحمد -الحرث-، وبيوت مختلفة لمختلف القبائل القاطنة بسفالة إبراء ؛ والذين اشتهروا بالعلم والشجاعة، وحاز أحفادهم مراتب متقدمة في الوطن؛ من أمثال المغفور له بإذن الله عامر بن علي المرهوبي الذي كان وكيلا للتربية والتعليم؛ ومن ثم رئيسا لجامعة السلطان قابوس.

وفي الطريق من “كشام” إلى “المنزفة” تمر بجامع إبراء الذي تخرج منه الطلبة الذين ساهموا في بناء الوطن، ودرسوا الفقه والعقيدة من منهجية السالمي على يد معلم فذّ عارف وخبير بأساليب التعليم وفنونه، المعلم سعيد بن عبدالله بن غابش الحبشي النوفلي، الذي قيل فيه:
حي في جامع إبراء كل من للعلم يقرأ
بتحيات تباهي ​​ المسك أنفاسا وعطرا
فلهم أهدي سلامي ​ طيّبا طيبا ونثرا
وعلى الشيخ سعيد من رقى فضلا وقدراً

وفي الطريق من “كشام” إلى “المنزفة” سوق سفالة إبراء الذي أوقف منه اثنين وعشرين محلا للجامع، بالإضافة إلى أوقاف أخرى؛ كوقف سيف بن سالم، وسعيد بن أحمد البراونه، وغيرها من الأوقاف، بالإضافة إلى محلات الرجل الفاضل سيف بن محمد العيسري، والذي سميت “هبطة خامس” باسمه، ومحلات ناصر بن سالم الصوافي صاحب بيت المشابع، ومحلات ناصر بن سالم الحارثي، وغافل بن فضيل الغازي، وسيف بن حمد البوسعيدي؛ تلك المآثر تشعرك من خلال نظرتك التدبرية كيف كانت الحياة في هذا الطريق، وكيف كان يقدّم أولئك الرجال تقربا لله سبحانه وتعالى.

وفي سوق سفالة إبراء الذي اختفى نشاطه حالياً كانت حركة الأخذ والعطاء وكتابة الصكوك في البيع والشراء وغيرها في مقدمة المحل الذي يجلس فيه عبدالله بن محمد الطوقي، وفيه صمّمت الدشداشة العُمانية الأصيلة التي تميّزت بها ولاية إبراء على يد سعيد بن حمد الطوقي، وفيه نداء الأذان الذي يرفعه مسلم بن سليمان الجفيلي بصوته الشجي المؤثر، وفي سوق سفالة إبراء نغمات “كم آخر كم آخر.. وريال”؛ فهو مركز تصل بضائعه من مختلف الولايات في شمال الشرقية؛ فكم من شخصٍ مرّ أو جلب الغنم -أي قطيعه- لينال صاحبه رزقه مشياً متحملاً الصعاب قاطعاً المسافات؛ وكم أتت الحمير بأرزاقها من الأسماك التي حُفظت بالملح؛ والناس بين جيئةٍ وروحة؛ للتبضّع والبيع والعمل، فهكذا كانت الحياة.

وفي الطريق من “كشام” إلى “المنزفة” أيضًا بساتين وارفة سميت بالبستان للخناجرة، تصلك بقصور شاهقة في المنزفة ترويها قصص وحكايات وتسطرها ملاحم وأقلام من سعيد بن خميس، وروما ليزا إلى بشير بن سالم وسالم بن عبدالله البراونه، وسالم بن عمير المعمري ومحمد بن سلام البرواني؛ تجدها كلّ ما دخلت بيت السدور وبيت المحارة والشريعة، وكلما مررت على مستشفى “المنزفة” وبيت أولاد ماجد المعامره، وأولاد مسعود بن سلّوم البراونه عطاءات ومواقف للخير، ومن أجل الخير لم يتبق منها إلا الأطلال والذكريات التي تحتاج إلى من يعمل على تأطيرها، وتقديمها بقالب تفكيري بسيط جاذب ومُلهِم، ومقاربتها بالحاضر المشرق لتزيده جمالاً، وتعليه مكانة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights