الأم زهرة الحياة
أسماء بامخالف
الأم هي كلمة صغيرة لكنها تحوي العالم بأكمله، هي الدنيا المليئة بالفرح والأمل والحنان، وهي سر من أسرار السرور في الدنيا، ورضا الله سبحانه وتعالى في الآخرة؛ لذلك هي نفحةٌ من نفحاتِ الجنّة، ونسمةُ ربيعٍ وادعة تملأ القلبَ بالحياة وتملأ الروح بالأمل؛ فهي الزاوية الدافئة والنور الذي ينير الطريق، وهي زهرة الحياة.
فمن رحم الأم تبدأ الحياة وفي داخلها تكتمل مرحلة عمر كاملة، حين ينمو جنينها في بطنها فيأخذ من جسمها وصحتها وراحتها كل ما يحتاج وتمنحه كل هذا وأكثر وهي في قمة سعادتها لأن معنى العطاء هو الأصل من قاموس الأم.
فيا لها من كلمة جميلة تعزف أجمل ألحان الحنان والحب، ويا لها من حروف رقيقة تجيد أسمى معاني الطمأنينة والسكينة!
للأم دور عظيم في حياة أبنائها، يفوق تخيل الجميع؛ فالأم لا تطهيء وتطعم وتنظف فقط؛ بل هي تبني مجتمعا، وتقيم حياة رجالا ونساء، وتعد شخصيات للمستقبل ليكونوا على وعي كاف بدورهم الذي يقومون به في مجتمعهم، فالأم الصالحة هي النواة لصلاح المجتمع، فالخنساء في معركة القادسية كانت تدفع بأبنائها وتوصيهم بالثبات وحين فقدت الأربعة لم تولول ولا تصرخ بل كانت تقول الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيل الله عز وجل، وكانت مثالًا للمرأة المؤمنة القوية التي جعلت أبناءها رجالًا يدافعوان عن الدين الإسلامي وينصرون نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم.
كما أن الأم أيضًا هي المسؤولة عن غرس القيم والمبادئ السليمة في أبنائها، وهي المسؤولة عن توعيتهم بتقبل الاختلاف وعدم التنمر أو انتقاد الآخر لمجرد أنه مختلف عنه، فالأجيال لا تقوم إلا بصلاح الأمهات؛ فهي المدرسة التي نتعلم منها جميع دروس الحياة دون استثناء، وهي الملجأ والسكن، والأم تعلم أبناءها ما لا يتعلمونه في المدارس، من أخلاقيات وعلوم وثقافات، فالطبائع التي يمارسها الأبناء منقولة لهم من تصرفات أبويهم، خاصة الأم، التي تقيم مع أبنائها طوال الوقت لتعلمهم الخلق الرفيع والسلوك المستقيم، وهي كملكة النحل التي تجمع الحب من جميع أزهار الحياة، وتُحوّله إلى عسلٍ صافٍ تسقي به أبناءها وهي في قمة سعادتها؛ لأنّها اعتادت على العطاء دون حساب، ودون أن تنتظر مقابلًا من أحد، فهي تسهر على راحة عائلتها دون أن تُفكر ولو للحظة في عواقب السهر الطويل؛ لأنّ همها الأوحد أن يظلّ أبناؤها بخير، وأن تُظللهم الرعاية والعناية في كلّ وقت، فعطاء الأم لا ينضب أبدًا.
إنها مثالٌ لنبع الماء الصافي الذي لا يتلوث أبدًا ولا تُعكره الأحداث؛ لأنّها لا تُشبه في إحساسها أيّ شخص، فالجميع تجمعهم المصالح المشتركة والمتبادلة، أمّا الأم فهي تُقدّم مصلحتها في سبيل رؤية أبنائها أفضل الناس وحتى أفضل منها؛ ولهذا لا عطاء مثل عطاء الأم، فهي صاحبة الفضل الأكبر على الأبناء.
لقد كان لها أكبر نصيب من وصايا النبي -عليه الصلاة والسلام- في حث الأبناء على برّها ورعايتها وطاعتها، فعن أبي هريرة، قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ»).[١] فيتضح فضل الأم في الدين الإسلامي الذي كرم الأم ووضعها في مكانها الصحيح ففضل الأم عظيم على أبنائها، والدين الإسلامي الحنيف قدس الأم ووضعها في مكان أعلى، وجعل لها مكانة مرموقة تليق بدورها العظيم، فذكرت الأم كثيراً في القرآن الكريم، ووصف حملها ووهنها، كما أن هناك أحاديث عن فضل الأم كثيرة توضح فضلها، ومن بينها:
أتى رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسمى جاهمة، وسأل الرسول: “يا رسول الله إني أردت أن أغزو وقد جئت لأستشيرك”، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “هل لك من أم” قال نعم، قال: “فالزمها فالجنة تحت رجليها”.
فما أعظمه من مكان الكل يتمناه! فمن أراد ذلك فعليه برها؛ حيث الأم تحتاج من أبنائها التواصل المستمر بالاطمئنان عليها وعلى أحوالها وصحتها يوميا حتى في ظروف انشغالهم الخارجة عن إرادتهم، وأيضًا هي بحاجة إلى التقدير الذي يتضح من المعاملة الطيبة لها. يقول الله تعالى: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)}.[سورة الإسراء]. فبعد كل ما قدمته الأم في شبابها على أبنائها تود أن تشعر فقط بالتقدير حتى لو بنظرات حانية من أبنائها؛ فيجب على الأبناء أن يتقدموا لأمهاتهم بالشكر وبالكلمات الجميلة التي تشعرهن بعظمة ما قدمن وما يقدمن لأبنائهم، فالأم عطاء ممتد ولو بلغت من العمر أرذله، فمن دعواتها يكون الأبناء في حياة موفقة تملؤها السعادة، وعليهم أن يرعوا أمهاتهم ويساعدوهن في كل أمورهن، ويشاركوهن أحزانهن، فالأمهات أيضاً تحتاج متكأ وتحتاج صديقا وصديقة، فيجب أن يكون العطاء متبادلا، كما يجب أن لا ينهر الأبناء أمهاتهم ولا يحزنوا لهن قلبا ولا يدمعوا لهم عينا؛ فالأمهات بركة الحياة ونورها.