عندما تعجز الكلمات
مريم بنت عبيد الشكيلية
عندما قال لي يوماً:
إنني لا أجيد سوى الاطلاع على نشرات الأخبار التي تهطل علينا بسيلٍ من الأكاذيب، والكثير من الزيف، وقليلاً من الشعور.
تخيّلتُ ما قاله هذا الصباح، فرحت، أتزحلق بفكري في كل كلمة، لا لشيء سوى أنني أردتُ أن أحدد موقعي على خارطة الأحداث، وعلى آلة الكتابة التي تشدّني إليها، لأنتزع منها حرفاً حرفاً، لعلّني بهذا أثبت صفتي الحقيقية.
إننا أحياناً نحتاج إلى أن نخرج الربيع من تحت وطأة الشتاء، لنُخرِج أرواحنا من عباءة الوهم الذي يتلبّسنا، حتى أصبح ممزوجاً بنا، ومتشبّثٌ بملامح أقلامنا.
دعوتهُ مرّةً إلى مائدة حرف، كأن الأحلام تتكاثر على مائدة ورق، أو كأن الشمس تستيقظ من خلف المِداد المسكوب في افتضاح حديث لم يُقل.
ليس غريباً أن تجدني متوشحة بصمتي كل هذا الوقت، عندما تتبخر الكلمات حتى من أصابعنا.
لا أعرف حقاً إلى أيّ عمقٍ سوف أصِل بفكري الذي ينخر بالأفكار السوداوية في داخلي، كأنها تشدّني نحو بقعة معتمة وضيّقة، وأحاول معها تعويم قلمي، وأعيد انتشال ذاك الضوء المتبقّي منّي نحو المرفأ.
أحاول أن ألحق بسرب حروفٍ مهاجرة، فهذا موسم هجرتها. أحاول أن أجمع ما تبقّى من أشيائي المبعثرة هنا وهناك، حتى ذاك النصّ الذي كنتُ أبحث عنه بين الألف سطر، لم أجده، أريد أن أخرجه فوق سطح الصبح ليجفّ وتتّضح ملامحه.