انتظروني واستعدّوا.. فإني قادم
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم مواسم من الخيرات كل عام يتقربون فيها بأعمال صالحة ينالون بها أضعافا مضاعفة من الأجر والثواب، ويعدّ شهر رمضان المبارك موسما من تلك المواسم الخيّرة التي كلما هلّت بشائره شعرنا بنعم كثيرة تتوالى علينا، وبأنهار من الخير تتوافد إلينا.
وبعد أسابيع قليلة -إن شاء الله- سيحل علينا هذا الضيف المبارك الذي ننتظر قدومه ونحن في أشد لهفة وشوق؛ لما فيه من أعمال البر والثواب والأجر العظيم الذي أعده الله تعالى لعباده الصائمين القائمين.
ففي صحيح مسلم (233) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:” الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ”.
ونحن في أيامنا هذه في شهر شعبان نبدأ من الآن في الاستعداد لاستقبال شهر رمضان، ومما نستعد به لاستقبال هذا الشهر المبارك:
أولا: تهيئة أنفسنا من الآن لاستقباله من خلال حسن التوبة الصادقة، وبث روح العزيمة والإصرار على ترك الذنوب والمعاصي والآثام مستحضرين فضائله العظيمة التي وردت فيها آثار كثيرة، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبشّر أصحابه –رضوان الله عليهم- بمجيئه في قوله:”أتاكُم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ”.أخرجه النسائي (4/129).
ثانيا: الإكثار من قراءة القرآن والصيام، فقد نال شهر رمضان الرفعة من نزول القرآن فيه، يقول الله تعالى:”شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الُقْرَآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”. البقرة من الآية (185). والتدريب على قراءة ورد يومي من الآن سيعيننا على قراءة القرآن كله في شهر رمضان، ومنا من يختمه أكثر من مرة، وهذا فضل من الله ومنة.
وفي فضل قراءة القرآن روى أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:”اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ”. صحيح مسلم (804).
وأما عن كثرة الصيام في شهر شعبان فقد روى أسامة بن زيد –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:” يا رسولَ اللَّهِ ! لم أرك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ”. صحيح النسائي (2365).
ثالثا: الإكثار من ذكر الله تعالى سواء من خلال تحديد ذكر يومي أو من عدة أذكار ندرّب أنفسنا عليها من الحمد والتسبيح والاستغفار ونحو ذلك؛ حيث إن كثرة الذكر تعين المسلم على قضاء العبادات؛ امتثالا لما رواه عبد الله بن بسر من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- :” جاءَ أعرابيَّانِ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ أحدُهما: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قالَ: من طالَ عمرُه وحسنَ عملُه، وقالَ الآخرُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كثرت علينا فمرني بأمرٍ أتشبَّثُ بِه، فقالَ: لا يزالُ لسانُك رطبًا بذِكرِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ”.أخرجه الترمذي (2329).
فاللهم اجعل ألسنتنا رطبة بذكرك، وقلوبنا عامرة بشكرك، واجعلنا من أهلك وخاصتك إنك أهل التقوى وأهل المغفرة، واجعلنا من أهل القرآن والصيام، وشفعهما فينا يا رب العالمين، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، وبارك لنا فيما بقي من شهر شعبان، وبلغنا شهر رمضان وأنت راضٍ عنا، واجعلنا أهلا لاستقباله عند هلول هلاله، ويسر لنا سبل الاستعداد له، اللهم آمين يا رب العالمين.