كاد المعلم أن يكون رسولا
أسماء بامخالف
ذلك اليوم الذي وُلد فيه النور من جديد، ليأخذ قبساً من نور الله، ويضيء بها ظلمة هذا الكون الفسيح، المعلم هو الابتسامة التي لا تغيب عن شفاه الأطفال والصغار، المعلم هو الأمان لتلاميذه حين يجدون فيه أباً رحيماً، ويجدون بالمعلمة أمّاً حانية، المعلم هو سيّد هذه الأرض بالكلمة والحبر والقلم، ذلك هو المعلم.
وللمُعلّم دور عظيم يتّضح بعِظَم المسؤوليّة التي يحملها على أكتافه، فلهُ دور في المجتمع كلّه، ولذلك كان أولى النّاس بالاحترام والتّقدير، وإنّ لمُفردة المُعلّم علاقة بكلمة العلم والتي اشتقّت منه، وبهذا العلم الذي يحمله يُنير الأرض جاعلاً إيّاها خضراء بعد القحط.
ولقد شهد له التّاريخ بالرّفعة، فيقول الرّسول -صلى الله عليه وسلّم- (إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ)[١]، فعلى كلّ إنسان أن يحترم المُعلّم، وأن يشكره على جهوده العظيمة، فهو الذي يسقي العقول بالأفكار، ويحميها من الانجراف إلى المفاسد والمضارّات، كما يحميها من الجهل. فالمعلم أكثر الناس عطاءً وأحقّهم بالاحترام والإجلال والإكبار، فمهنة المعلم لا تقتصر على كونها مجرد مهنة عادية تؤدي خدمة للناس، بل إنها بناءٌ للعقول والأفكار، وإخراج من ظلمة الجهل إلى نور العلم، فالمعلم يزرعُ أسرار النجاح والتميّز ليفرحَ بقطافها عندما ينجح طلابه، فيا له من محيطٍ عميقٍ يزخر فيه العلمُ وتنتشرُ فيه لآلئ الحكمةِ والتصميمِ والإرادةِ، لتُحلّق في فضاءاتٍ لا نهاية لها. كما أن المعلمَ يبني الإنسان والمجتمعات، وعلى يديه تتربى الأجيال التي تأخذُ بيد الوطن نحو المجدِ والرفعةِ، فهو الذي يُعلّمُ الطبيبَ والمهندسَ والمحامي والوزيرَ ويُعلّمُ الجميع، فدون وجود المعلّم لن يكون هناك أي فكرٍ أو علم أو اكتشافات أو مخترعات، لأنَّ المعلم هو المحرّك الأساسي للتعليم والقراءة؛ لهذا فإنَّ تقدير المعلم واحترامه هو أكثر ما يُدخل السرور إلى نفسه، خاصةً وأنه لا يهتم بإعطاء العلم فقط، بل إنه يُربّي ويعلّم في الوقت نفسه، فهو يُقدّم كل ما لديه من علمٍ ومعلومات ويفرح كثيراً برؤية ثمرة جهده في طلابه. فهو شخصٌ ملهم، يستطيع أن يأخذَ بفكرِ طلابِه إلى عوالمَ كثيرةٍ من الإبداع، كما يستطيع أن يكونَ مرجعيتهم الأولى في كل شيء، وذلك ببناء الثقةِ بينه وبين طلابهِ، ومدّ جسورٍ من الحب والرغبة بالعطاء والعلم، لهذا فإنَّ المعلمَ يؤدي رسالاتٍ عديدة ومؤثرة، وقد قالت العربُ قديماً:
“من علمني حرفاً كنت له عبداً”، لهذا فإنَّ للمعلمِ منزلةً عظيمةً كمنزلةِ الوالِدَين، فهو يحملُ رسالة العلم على عاتقه، ويُساهمُ في نشر الفضيلة، وهو رسولٌ من رسل الخير، ونبعٌ متدفِقٌ بالحكمة، فالكتب والتكنولوجيا ووسائل التعلم جميعها ما هي إلا مجرد أداة، في حين أنَّ المعلم الناجح هو الأساس.
فالتعب والجهد الذي يبذله المعلم في تسليك دروب طلابه لا يمكن تجاهلها، بل على العكس من الواجب تقديرها وتبجيلها، فهو الشعلة التي تنير طريق الناس، وهو النور الذي أرسله الله تعالى لهذه البشرية من أجل أن يزيح غشاوة الظلام عن هذه الأرض، وهو النجمة التي يهتدي الناس بها من أجل الوصول إلى الأمان في هذه الحياة.
فالمعلم هو ركنٌ رئيسيٌّ من أركان تقدم أيّ مجتمع أو أمّة، وهو كيان شامخ مستقلّ ينقش برسمه في عقل تلميذه لأنه من أوائل الناس الذين يتصل بهم في حياته، فيطبعون فيه بصمتهم، فهم النبراس الذي يضيء لنا الدرب نحو المستقبل المشرق بإذن الله.
لذلك مهما تمرّ السنوات لا يجب أن ننسى المعلمين الأفاضل الذين كانوا لنا مثالاً في الجد والإخلاص، وقد ورد أن الإمام أبا حنيفة النعمان رحمه الله كرم معلم ولده بألف درهم لأنه علمه سورة الفاتحة، فما بالك بأساتذتنا الفضلاء الذين يخرجون للمجتمع:
الطبيب والمهندس والمحامي والعالم وأصحاب الكفاءات.
وانطلاقاً من الحديث الذي يخاطب فيه رسولنا المعلمين، كما روي عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال :(سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً مرحباً بوصية رسول الله-صلى الله عليه وسلم- واقنوهم، قلت للحكم: ما اقنوهم، قال: علموهم).
لذلك فإنه يقع على المعلم واجب كبير ومهمة جليلة، فالمعلم قدوة حسنة لطلابه، حيث إنه يقدم لهم الدروس بوجهٍ مشرق وابتسامة عريضة، وبطُرق جذابة تزيد ارتباطهم به، لذلك فإن الواجب عليه أن يغرس في أبنائه الطلاب حبّ دينهم ووطنهم، وضرورة تمسكهم بالأخلاق العالية والآداب الحسنة، وأن يعمل على تنمية مواهبهم وزيادة قدراتهم، فمن بين يدَي المعلم تتخرج جميع الشرائح الاجتماعية والكفاءات العلمية، وأيضاً يسهم إسهاماً كبيراً في تنشئة الأجيال وإعدادهم ليكونوا أمل الأمة في مستقبل مشرق بإذن الله.
حيث يُعتبر المعلم القاعدة الأساسية في حياة المجتمعات ومن أصعب المهمات في الحياة يحمل على عاتقه مسؤوليات كبيرة في التعليم والتربية.
لذلك تعتبر مهنة التعليم إحدى المهن الأصعب على الإطلاق، نظرًا لذلك خصص يوم في السنة تقام فيه الاحتفالات تقديرًا للمعلم والجهود التي يقدمها لنقل حياة الناس من الظلمات إلى النور، وتغذية عقول الأبناء بالعلم والمعرفة للمساهمة في نقل الوطن إلى المزيد من الحضارة والتقدم، هذا اليوم يكون من أجل أن يحتذى بإنجازات المعلم العظيمة التي ساهمت في الابتعاد عن الضلال والدخول في دروب العلم والمعرفة، والعلم الذي يحظى به منكم ينقل إلى حياة مليئة بالهمم والعلم،
ولهذا ينبغي أن يكونَ تكريمُ المعلمِ في كل وقتٍ وحين، وتكريمًا للمعلم يحتفلُ العالم بيوم المعلم في الخامس من تشرين أول من كل عام، أما سلطنة عمان فاحتفالها بيوم المعلم في الرابع والعشرين من شهر فبراير من كل عام وهذا اليوم ما هو إلا رمزٌ للاحتفال بالمعلم الإنسان الذي يُنير دروب العلم والمعرفة، لذلك يجب على الجميع كلٌّ من موقعه تقدير المعلم حق التقدير.
وكما قال أحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي
يبني وينشئ أنفساً وعقولا
وإذا المعلم لم يكن عدلاً مشى
روح العدالة في الشباب ضئيلا
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة
جاءت على يده البصائر حولا