طالب المقبالي
ودعت ولاية الرستاق علماً من أعلامها التربويين الذين شهدوا ولادة أول مدرسة حديثة فور تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- في عام 1970 وهي مدرسة الإمام ناصر بن مرشد.
إنه الأستاذ القدير (هلال بن مبارك بن سالم المقبالي) -رحمه الله- ابن الشيخ الجليل القاضي الفقيه الوالد مبارك بن سالم بن حميد المقبالي.
فأول ما باشر به جلالة السلطان الراحل هو بناء المدارس في المدن الرئيسية كمرحلة أولى، وكانت الرستاق من أوائل الولايات التي نالت شرف افتتاح أول مدرسة لها بعد أشهر من تولي جلالته مقاليد الحكم في البلاد، وكان أخي هلال -رحمه الله- أحد الأشخاص ضمن الفريق الذي تم تكليفه من قبل الحكومة لحصر الطلبة من أبناء الرستاق، وتوزيعهم حسب الفئات العمرية، وكنت من بين الطلبة الذين تم تسجيلهم للالتحاق بهذه المدرسة المباركة التي أخرجت أطباء وعلماء ووزراء ووكلاء وزارات.
وكان أخي من ضمن اللجنة التي اختارت منزل الوالد راشد بن حميد المصلحي بمنطقة المحاضر، بولاية الرستاق ليكون مقراً للمدرسة قبل انتقالها إلى المبنى الجديد لها عام 1973م.
وقبل ذلك فقد تلقى أخي تعليمه على يد والده -رحمه الله-، كما التحق بمدرسة جامع البياضة بقلعة الرستاق، والذي كان يطلق عليها المدرسة الرستاقية، وقد تلقى علوم الفقه والنحو والبلاغة على يد الشيخ محمد بن حمد الزاملي، ووالده القاضي الشيخ مبارك المقبالي، فكان متمكناً في الدين والفقه والنحو.
فلم يكتف أخي هلال -رحمه الله- بتعلم علوم الدين والنحو، وإنما كان يتعلم اللغة الإنجليزية من خلال صناديق البضائع التي تحمل أسماء البضائع باللغتين العربية والإنجليزية، وقد شهدت على ذلك بنفسي .
كما كان مهتماً بعلوم الفلك والأجرام السماوية، وكان ينظم مسابقات لنا كطلبة المدارس من أبناء بيت القرن في الخط والإملاء في باحة مسجد الوسطى بعد صلاة العصر.
وكان أخي هلال -رحمه الله- يجالس القضاة والعلماء بمسجد الوسطى ببيت القرن، وكان يحضر جلسات القضاء التي يعقدها والدي مع الشيخ الزاملي، وكان الوالي آنذاك يعقد جلسات صباحية ومسائية للحكم، فكانت الجلسات الصباحية يحضرها القضاة في غرفة الصلاة بقلعة الرستاق التاريخية، أما الجلسات المسائية فكان الوالي يعقدها تحت شجرة الصبار “التمر الهندي” الموجودة في الساحة أمام بوابة قلعة الرستاق، فعندما يأتي المتخاصمون إلى الوالي، وكان أحدهم يشكو من جرح أصابه من شخص ما، فيرسل الوالي المتخاصمين إلى القضاة في مسجد الوسطى ببيت القرن، فيأمر القاضي أخي بتأريش الجرح وقياسه، وعلى ضوء ذلك ووفقاً لحجم الجرح الذي أرشه أخي هلال يصدر القضاة حكماً بقيمة الغرم نظير ذلك الجرح، فيحمل العسكري المكلف من قبل الوالي الذي كان ينتظر نتيجة قياس الجرح وحكم القضاة، فيحملها للوالي لتنفيذ الحكم.
وكان للأخ هلال دور هام في هذا المجال، كما أنه يقوم بتدوين الأحكام التي يصدرها الشيخ القاضي محمد بن حمد الزاملي كونه كفيف البصر.
وفي الليل عقب صلاة العشاء كان الوالد -رحمه الله- يعقد جلسات علمية، في كل ليلة يقرؤون ويتدارسون كتاباً من الكتب العلمية، وكان أخي هلال هو الذي يتولى قراءة الكتب.
لقد اكتسب أخي هلال معلومات تؤهله لتولي القضاء، وقد استدعي من قبل الحكومة وعرض عليه القضاء في أكثر من مناسبة، لكنه فضل الاستمرار في سلك التعليم معلما في المدرسة التي كان واحداً من مؤسسيها، وتم نقل أخي هلال إلى ولاية صحم للتعليم هناك، ثم في ولاية المصنعة، ثم عاد إلى الرستاق.
في تستعينيات القرن الماضي أسسنا -أنا وهو- محلاً للخط، وكنا نخطط لافتات للمحلات التجارية، فلم أستمر معه، بينما استمر هو في كتابة اللافتات للمحلات التجارية والمدارس والمؤسسات الحكومية، وصهاريج المياه وغيرها، إضافة إلى الوسائل التعليمية والرسومات، وقد اشتهر في ولايتي الرستاق والعوابي؛ لعدم وجود محل مماثل في الولايتين لكتابة اللافتات.
إلى جانب ذلك اهتم أخي هلال -رحمه الله تعالى- بعلوم الحاسوب؛ فأتقن فنيات الحاسوب، وأصبح يدون جميع أعماله إلكترونياً؛ فاحتفظ بنسخ إلكترونية من الكتب والوثائق، وقد قام بتفريغ المخطوطات وأحكام الوالد ومراسلاته لكتاب الوالد وجمع مادته، والذي سلمني إياه لتكملته وللتعديل والإضافة، والذي سيرى النور قريباً بإذن، فقد كان مقرراً أن يطبع الكتاب عام 2020م، لكن جائحة كورونا حالت دون ذلك، وتم تأجيل الطباعة إلى هذا، العام، وقد شاءت قدرة المولى -عز وجل- أن لا يرى أخي -رحمه الله- جهد عمله في هذا الكتاب، ولكن ثوابه سيصل إليه بإذن الله.
ومن المعلومات التي لا يعرفها الناس أنه قام بنفسه ببناء منزله، وكنت أنا ومجموعة من شباب الحارة من العمال المساعدين له في هذا المشروع، في الوقت الذي لا توجد فيه عمالة وافدة في ذلك الوقت.
فبرحيل أخي هلال فقدتُ وفقدت أسرتنا مصدراً مهماً من مصادر التاريخ والعلوم والفلك.
رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته.
