2024
Adsense
مقالات صحفية

العزلة في بعض الأحيان قوةٌ ومنعة

ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

يتفاوت البشر في مقدرتهم على تحمّل الأذى ومواجهة أحوال الحياة المتقلّبة بحلوها ومرّها، وفي التعامل مع طبائعِ البشر المختلفة.

ومَن ظنّ أنّ هذه الحياة مستقرّة ومسالمةٌ فهو واهم، ولا يستطيع المرء أن يحكم على الآخرين دون تيقّن أو دليل.

وبعض البشر همُّهم تلقّف الأقاويل من الجهلة ومن أهل النفاق والكذب، فيصدقونها ويبثونها في أوساط المجتمعات ليتهموا بها الأبرياء، حتى إذا ما اجتمعوا في مناسبة ما، كالأفراح والأتراح بدأ الهمزُ واللمز، وبدأت الأعين تدور، وكأنها تخاطب الأبرياء وتقطعهم تلك النظرات، فتلك سهام البُغض والحقد تقذف ببركانٍ من البهتان.

ثم ما إن تنكشف الحقيقة بعد برهة يسيرة حتى يسارعوا في العتاب لمن ظنوا فيهم ظن السوء، وتبدأ أسئلة النفاق: أين أنتم؟ لم نركم منذ زمنٍ بعيد؟ ولكي لا نعمم ونظلم الجميع فهناك من يعتب بصدقٍ وهناك من يظهر عكس ما يبطن، وهنا يتجلى النفاق، فتتكشف لهؤلاء الأبرياء حقيقة العزلة، لما فيها من قوة ومنعة وقربٍ من الله، لأن أحاديث النفاق من الجهلة والحمقى ومن أهل الكذب والبهتان شغلٌ شاغل عن التمسك بحبل الله المتين، وليتهم صدقوا في النوايا، ولكنهم يعودون لذلك في كل مرة، وكأن لسان الحال يقول لهؤلاء الأبرياء: نحن نؤذيكم وعليكم الصبر على الأذى في كل مرة وفي كل موطنٍ نؤذيكم فيه.

وقد يخطر ببال بعضهم حديث رسول الله ﷺ؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم». صدق رسول الله ﷺ. [صحيح] – [رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.

وهذا الحديث في فضل مخالطة الناس، والصبر على أذاهم، وكما أسلفنا ليس كل البشر يتساوون في تحمّل الأذى والتحلي بالصبر، والصبر من أعلى مراتب الإيمان لمن تجلّد بالصبر ووفّق في تحمّل الأذى.

ولا نستطيع أن نزجّ بالناس قسراً ونلزمهم على تحميلهم ما لا طاقة لهم به، وقد اعتزلوا الفتن ليحفظوا دينهم، ويتمتعوا بعافيتهم فيما بقي لهم من الأعمار، ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة، فحينما ضيّق الكفار عليه وصحبه الخناق، أمره ربه بالهجرة فهاجر وحثّ على الهجرة.

كما اعتزل الكثير من الصحابة الفتن بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وعفا عنه، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه.

والعزلة في بعض الأحيان قوةٌ ومنعة وسلامة للقلوب وفطنةٌ وحكمة، وخلوة مع الله تقربك من الله زلفى، فأعظِم بها من قربة، فمن صبر نال الدرجات العُلى، ومن اعتزل أصاب الحكمة، والله هو الموفق وحده وهو ولي النعمة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights