كيف تُنمّي نفسك لغويا؟
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
إن المريض عندما يشتكي من مرض ما، ويذهب إلى الطبيب، ويقوم بتشخيص الدواء له، نجده أحيانا يكتب له مضادا حيويا يستخدم لعلاج الأمراض التي تسببها الأنواع المختلفة من البكتريا، وهذا معناه أن هناك ضعفا أصاب هذا المريض، فلجأ إلى الطبيب؛ ليصف له الدواء، وبعد تناوله لفترة محددة يتلاشى المرض، ويصبح معافى.
وكما أن هناك أمراضا تصيب الإنسان ويحتاج إلى دواء؛ كي يساعده على التعافي من مرضه؛ فإن هناك أمراضا لغوية تصيب بعضنا، وتحتاج إلى تدخل دائم كلما ظهرت؛ حتى يكون الإنسان دائما صحيحًا لغويًّا؛ ومن ثمَّ يستطيع التعافي من أمراض اللحن الذي يتفشّى في مجتمعاتنا يوما بعد يوم خاصة بعد عالم التقنيات الحديثة الرقمية.
ومنا من يدرك مرضه منذ بدايته؛ فيعمل مسرعا نحو البحث عن أدوية توقف هذا الداء العضال، فيقرأ هنا وهناك، ويستمع بإنصات إلى هذا وذاك، ولا يجد حرجا في أن يجد هذا الدواء عند من يصغره عمرا وخبرة، فالمهم من يعرف العلاج ويصفه جيدا، فالعملية اللغوية أكبر من الوقوف عند الأشخاص.
إن أكبر داء يعوق إتقان بعضنا الصحة اللغوية ومعالجة الضعف الذي ألمَّ به – رغم معرفته قواعد لغوية متنوعة- يكمن في عدم التدريب على استعمالها جيدا، ومن ثم يظن أن ما يتبناه –فقط- هو الصحيح دون أن يدرك غيره، وفرق كبير بين معرفة القاعدة وتطبيقها.
وإذا حاولت تقديم النصح والإرشاد لمثل هؤلاء فلا تجد عند بعضهم سوى التعالي ورفض ما تقدمه لهم، ويبدأ بعضهم الآخر في البحث عن وجوه تبين أن رأيهم هذا هناك ما يعضده ولو من خلال مذهب ضعيف، أو رأي لبعضهم دون التثبت من ذلك، فالمهم عندهم ألا تخطئهم، وينتهي الأمر بتشبثهم برأيهم، وليتهم سكتوا؛ فتعلموا..!! لكن هؤلاء تركهم هكذا أولى من مجادلتهم؛ لأنهم لن يقتنعوا بشيء أبدا.
إن معرفة التنمية اللغوية ليست بالأمر الهين، بل تحتاج جهودا تُبذل، ومبادرات تُعقد، ومسالك يُعَبِّدها أصحابها نحو المحافظة على صحة لغتهم، وسوف أقدم عدة أسس تسهم في تنمية لغتنا عامة، والمحافظة على الصحة اللغوية لدينا، وتلاشي أمراضها، ومنها:
أولا: كثرة القراءة: لا شك أن القراءة الكثيرة تُعدُّ رافدا مهما في زيادة الحصيلة اللغوية الجيدة وبخاصة المداومة على قراءة القرآن الكريم الذي كلما استقينا من معين ألفاظه ارتقينا، وكلما نهلنا من نصوصه صحت لغتنا واعتلينا، وكذلك القراءة بوجه عام في مجالات شتى سواء أكان في القديم أم في الحديث الجيد في فنون اللغة من شعر وقصة ورواية وغير ذلك، وبخاصة لهؤلاء الأدباء والاختصاصيين في مجالاتهم، ولو قاس كل منا نفسه عقب قراءة بعض الكتب والبحوث والمقالات فسيجد القلم بين إصبعيه يفوح عطره وينهمر في الكتابة؛ تأثرا بما قرأه، وكأن هناك دفقات تنزّلت عليه؛ فأنتجت نصوصا كوّنت خاطرة أو مقالا أو بحثا أو كتابا…، وستجد -لا محالة- علاقة وتشابها بين ما تكتبه أنت، وما كتبه غيرك في محتويات كثيرة، وهو ما يسمى ب”التناص”، فاكتب أينما وجدت نفسك في هذه الحالة، ولا تنسَ تلك الحِكمة في الكلمات الجميلة والمعاني العذبة في قول سيدنا علي بن أبي طالب (ديوانه ط1/ 194):
إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها
**فَعُقبى كُلّ خافِقَةٍ سُكونُ
وَلا تَغْفَل عَنِ الإِحسانِ فيها
**فَما تَدري السُكونُ مَتى يَكونُ
وَإِن دَرَّت نِياقُكَ فَاِحتَلِبها
**فَما تَدري الفَصيلُ لِمَن يَكونُ
إِذا ظَفِرَت يَداكَ فَلا تُقصِّر
**فَإِنَّ الدَهرَ عادَتَهُ يَخونُ
ثانيا: حسن الإصغاء: إذا أردت أن تنمّي لغتك كثيرا فلا بد أن تحسن الإصغاء لغيرك ممن يقدمون لك معلومة لغوية خاصة إذا كنت من أهل اللغة؛ فقد تعرف شيئا وتغيب عنك أشياء، وعين غيرك على ما تكتبه أوقع من عينيك، ويجدر بك أن تقدم الشكر والثناء لمن أسدى لك مثل هذا، وإنه لعظيم.
وأما إذا كنت ممن ليسوا من أهل اللغة فعليك أن تقارن ما كتبته في أول وهلة وما قُدّم لك بعد تدقيقه، وانظر إلى بنائك بعدما انتهيت منه، وتلك الملاحظات التي أضفت الجمال والرونق والبهاء على أسلوبك، وتخيل معي لو رأيت جدارا مائلا، ماذا ستقول منذ الوهلة الأولى؟ هكذا هو عملك الذي تقدمه قبل مراجعته، وتلك هي الجواهر من التدقيقات التي أصلحت اعوجاج بنائك، وجعلته في أبهى صورة، فاحمد الله تعالى أن هيأ لك مثل هؤلاء.
وللأسس التي تسهم في تنمية الصحة اللغوية بقية -إن شاء الله- في مقالات قادمة.