2024
Adsense
مقالات صحفية

البصرة بصرتكم “عين غطاء وعين فراش”

سعيد بن خميس الهنداسي

بسبب الظروف الأمنية والسياسية التي استمرت لسنوات طويلة، والتي جعلت العراقيين يتجرعون ويلات الحروب والإرهاب، مما خلق هواجس أمنية وخدمية وتنظيمية في شتى المجالات وفي المجال الرياضي أيضًا، وحفاظًا على سلامة الرياضين فقد أصدر الفيفا قرارًا بمنع إقامة المباريات الدولية في ملاعب العراق مما أسهم ذلك في إبعاد العراق عن إقامة البطولات والفعاليات والملتقيات الرياضية، حتى جاء خليجي 25 والذي يعد فرصة يمكنها أن تساعد في تعزيز العلاقات بين العراق وبقية دول الخليج، بل وتمثل علامة على التعافي بعد السنوات العجاف والاضطرابات السياسية الداخلية والخارجية، كما أنها فرصة للعديد من مواطني الخليج لزيارة العراق والتعرف على الثقافة العراقية، وفرصة نادرة أيضًا من الجهة الأخرى لسكان العراق لمشاهدة حدث كروي بحجم كأس الخليج في بلادهم، والأهم من ذلك التعبير عن اعتزازهم بوطنهم وسعادتهم بما يمثله الحدث الرياضي من تضامن إقليمي يتجلى في مظاهر الكرم العراقي اللافت، والذي ترجمه الاحتفاء الشعبي بالزوار الذين تدفقوا على العراق لحضور الحدث الرياضي.

وبغض النظر عن المنافسة القوية بين منتخبات دول الخليج للفوز بالبطولة، فإن ما يهم العراقي في المقام الأول هو إكرام ضيفه بعد غياب طويل، نحن جيران وأبناء عمومة حتى لو فرّقت بيننا الظروف السياسية الخارجية.

وعلى هامش البطولة جاءت رحلتي الأولى للبصرة بالتحديد والعراق بشكل عام، وقد انبهرت بكمية التقدير والاحترام الذي يحظى به الخليجي أينما تواجد.

في البداية نود أن نعطي نبذة عن البصرة فهي محافظة عراقية، يبلغ عدد سكانها حوالي ٣,٥ مليون نسمة، وتعتبر ثاني أكبر المدن العراقية وأجملها وأكثرها أهمية اقتصادية، وتقع في منطقة التقاء نهري دجلة والفرات على شط العرب، تحدها العاصمة بغداد من الشمال، كما تحدّها الكويت والمملكة العربية السعودية من الجنوب، وإيران من الشرق وتتميز بموانيها وبالأنهار والبساتين المليئة بأشجار النخيل وبحقول النفط.

وقد كان بمعيتي في هذه الرحلة الصديق العزيز سعيد بن صالح البلوشي. حيث أن أول ما وطأته أقدامنا تراب المنفذ الحدودي بسفوان، لمسنا الطيبة وكلمات الترحيب من كل عسكري أو مدني قابلناه، بل لم نستغرق بالمنفذ إلا لحظات بسيطة حيث هيئ للزائر وسائل نقل جيدة بين المنفذين، ولم تخضع حقائبنا للتفتيش وقد أنشأت صالات جديدة للقادمين وأخرى للمغادرين، كما يتمتع المنفذ بلمسات جمالية، وعند باب المخرج من المنفذ جاءنا أحد أبناء البصرة يستقبلنا وسط عشرات الحشود الذين قدموا يرحبون ويحلفون علينا لمرافقتهم إلى بيوتهم، لنكون “خطارهم” وهم يرددون “نحن الخطّار وأنتم أهل الدار”، ومنهم من يقول “البصرة بصرتكم” والبعض يقول “أهلا بكم نشلكم على الرأس إذا ما شالتكم الأرض”، وآخرون يقولون “نخليكم وسط العين لكم عين غطاء وعين فراش”، ونحن مندهشين من كلماتهم وترحيبهم السخيّ.

وفي جولتنا بكورنيش البصرة كان الوضع لا يقل حفاوةً عن سابقه، فعند وصولنا لمسنا الألفة فالكل يستأذن للتصوير معنا كأننا من كبار المشاهير، ويسمعوننا كلمات الترحيب المختلفة، ثم عملت بعض القنوات التلفزيونية العديد من اللقاءات معنا، وأخذنا نلتقط بعض الصور بالكورنيش وسط فرحة أهل العراق الكبيرة بضيوفهم، ثم توجهنا إلى فندق الشيراتون حيث حصلنا على التذاكر المجانية المقدمة من الاتحاد العماني للجمهور العماني، بعد ذلك دخلنا مقر بعثة المنتخب وجلسنا مع سعادة سفير السلطنة بالعراق ومع أعضاء البعثة العمانية، وعملت بعض القنوات المتواجدة عدة لقاءات معنا وأمضينا وقتًا طويلًا معهم.
وفي اليوم التالي زرنا بعض الأماكن بالبصرة في جو ماطر مثل الأسواق والمولات، وعندما وصلنا إلى قصور الرئاسة أقبل مجموعة من الناس المتواجدين لأخذ الصور معنا، حتى حان موعد التحرك لملعب المباراة الذي لا يبعد كثيرًا عن مكان تواجدنا سوى ١٥كم، حتى نتمكن من حضور مباراة منتخبنا مع منتخب اليمن، مع العلم تحركنا قبل أكثر من ساعتين لملعب النخلة إلا أن الشوارع كانت مكتظة بالسيارات وصرنا على وشك أن نعلق في ذلك الازدحام، لولا عناية الله وتوفيقه لنا، مع استمرار الأمطار منذ فجر ذلك اليوم دون توقف، وفي اللحظة التي كان العسكريين يعيدوا السيارات والجمهور المترجّلين لتغير مسارهم، إلا أنه بفضل الله كنا بسيارة خصصها لنا بالبصرة أحد الإخوة العمانيين تحمل لوحه عمان وكان يسوق بنا أبو عمار العراقي، فلما شاهد العسكرين السيارة الضخمة وبرقم عمان، وفيها شخصين بملابس عمانية الدشداشة والعمامة العمانية، اعتقدوا أنها للوفد العماني، فإذا بهم يفتحوا لنا الشارع وهم يقولوا هذا الوفد العماني، حتى تم إدخالنا إلى داخل سور ملعب النخلة والحمد لله دخلنا بسهوله وتيسير من الله ونحن مذهولين، ثم دخلنا لمدرجات الملعب فالجو بارد جدًا والأمطار غزيرة في الملعب وعلى المدرجات حتى تشبعت ملابسنا بالمياه. وبعد المباراة ذهبنا لمطعم زرزور وهو مطعم سياحي جميل، ثم توجهنا للسكن لصعوبة التجول بالشوارع بسبب غزارة الأمطار.

وفي اليوم الثالث تناولنا الإفطار وجهزنا حقائبنا للعودة، ثم توجهنا إلى المنفذ الحدودي ونحن نحمل عكس الانطباع عما كان معنا مسبقًا بصراحة؛ أولا: لم نتوقع كل هذا التقدير والاحترام الذي لمسناه من المواطنين العراقيين، ثانيا: الأمن فوق الممتاز، ثالثا: الكرم الذي جعلنا لم نضطر لدفع ريال واحد مقابل أكل أو شراب أو غير ذلك، رابعا: البلد جميلة ويمكن الاستمتاع بقضاء أيام أكثر للسائح فيها. فشكرًا لدورة كأس الخليج العربي التي منحتنا الفرصة لخوض هذه التجربة الجميلة والتي ستخلد ذكراها في ذاكرتنا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights