لا تحشر أنفك في الحكمة
شريفة بنت راشد القطيطية
في آخر يوم من السنة يختنق العاشقون جميعا في بؤرة من الوقت ويعلقون الأماني بالوهم، يدركون أيضا ألّا أمل لهم في بداية السنة بعشق أجمل؛ لتأتي المراسي محنطة بوجه الليل متقاسمة معه الوجع، وتأتي أواخر العتمة تلتقط شظايا القلوب المتأملة بسجود نبض لنبض؛ لأن السجود لله فقط وهم عابثون بأخطائهم ومتمادون في الغلبة، تأتي صراعات عدة، وينجبون العثرات، ويخلدون للنوم عبر فتحات الزمن، ويأتي العقل بالحكمة، أن تعشق وهما أجمل من ألّا تعشق شيئا، تعودنا على الفراغ العاطفي، لا تحشر أنفك في الحكمة .
أعود لزمن عذب تمرغ في شهد العتمة واستحق الألق، كان للعاشقين وطن وكان لهم أبراج من لهفة ورعشات قلوبهم خالدة ومتوجة، كان العاشق يذهب بعيدا رغما عنه ومعشوقه ينتظره بلهفة وطن، ويراسله عبر فتحة الزمن تلك، نفسها التي أجرمت في حقنا الآن وكانت تصله كل نبضه وكل رعشة، ويأتي العاشق متوجا كمن قتل مئات الأعداء في معركة وأنقذ القبيلة من السبي، وكان خياليا خصبا يتعلق بمن هو من زمني ومن ذات فكري وانتمائي لذات الوطن، يشمله الشوق والحنين إليه ووفي لدرجة ليتأهل لقهر السنين والمسافات .
العشق ذلك الوغد الذي يأسر قلوبنا، ويعتقل النبض، ويمحي ما بين السطور، ويعترف بالسطو، هو ذلك الغائر في العمق يشل حركة الدماء في العروق، يعترف أن لديه غابات من وسن وتعب وأذى يعود أصلها لتراتيل ألم يؤخذ من بائعة الوجد وعاشقة القمر، والعاشق معلق بين السماء والأرض ومحتل من الشوق ومختل عقله ومهتزة أطرافه، يبعثرها كما كان قبل بدء الذبح، المعتقل الشرس يدفعه لارتكاب حماقات عدة ويتبرأ منه، ولديه احتمال أخير أن ينقذه قلب يعشقه بحق ويدافع عنه ويحرره .
كان حزينا لدرجة أنه جلس مطولا في مكان مفتوح يتأمل الفسحة والسرور، ولكنه برغم ذلك لم تحالفه النبضات كما تقول، ولم يتقدم خطوة واحدة نحو السعد، وهو يلتقط بعض الأزهار الصغيرة بين العشب تذكر أنه سيهديها له دون تردد، العاشق موهوم بالرجوع ولكن جذوره هي من أوهمته أن الليل يتساقط فيه الأبرياء كالمطر، وأن المطر لا يوجد به أبرياء، هم في الجنة فقط والعاشقون في الغربة يلتقطون ما تبقى من براءتهم ويخرجون من الضباب مقفلي العينين، لقد أصابهم العشق لدرجة أن يتلاشوا مع الضباب .
أنى اليوم الذي يستقيل فيه العاشون من القلوب؟! ويحتلون مدائن الورد وملامح الشرفاء، يذكرون اليوم أن تواصلهم المحدق في خذلان ورحيل وهجر ما هو إلا تفاهات اختلقناها لكسر نمط حياة مرعب، وأردنا الرعب أكثر لنتفوق بامتياز على حماقات الراحلين، رأيتهم بحق ذات يوم يتقاذفون في عبق الانتصار، ويتجمعون تحت ظل نقطة ومن أول السطر، سنبدأ كتابة قصص أروع عن نقاء قلوب العاشقين، والراحلون لا نقاء لهم، سنذكرهم بالشياطين التي يستعاذ منهم وقت الذكر في روايات ممتعة .