قصة .. مريم (الجزء الأول)
شريفة بنت راشد القطيطية
كان الشعور لديه أخبار سارة وكان عبيرهُ ملأ المكان وخطف ثواني الوقت وعتَّقها لزمن اخر، إنه يخبأ ما لا يقال ليعبر بسلام، كادت الروح أن تغرب ويثقلها الليل لولا مريم؛ جاءت من وسط الضباب بعباءة الوقت الراحل وتجددت بقبيلة الوهج الذي يأتي كبشارة لأرض قاحلة، آه من خيال يشق الأنفس ومسمى مريم يعيد الترنم لقلب منهك.
كان كل شيء يأتي لأول مرة ويتعبد بالأمكنة في القلوب ويأتي الوعد المثقل ويسكن الروح ولا يبرح التخلي عن مولده ومأمنه، العذارى تتحول لراهب حكيم والنضج أحيلت أوراقه لقلب عاشق يشعر بالسلطة والتمارين العقلية تعرقله، يأتي الخذلان ولأول مره يسحب كل أوراقك واستعداداتك لخوض معارك حياة وتأتي العزلة ويأتي الحزن يتحول كل شيء لعواصف ملثمة لا تعرف أصلها وتعتقلك كي لا تساوي شيئا.
الخذلان ينثر الحطب على نار مشتعلة ويأتي بالقلب العاشق مُنَكَّها بالصمت ومحرما العشق عليه، كأول السطر لا تعبر مراحل ليست لك ولا تعذر ولا تعتذر ولن تستطيع النسيان، شعور أتى من داخل الروح وعبث بالشرايين ونام نومة الطفل العبوس، كان يقصد العمق ويحلله ويضرب به عرض الحائط ولا يرحم ولا يستعطف وذلك الشغف كأسطول الخيبة لا يتنازل عن المعمعة، تأتي مريم متوقدة مهترئة المزاج قوية كنسر عظيمة كبدر متوحلة البراءة تلدغ كأفعى وتزاحم الطرقات سعيا لجموع ثنائية الحسن بيضاء قلب، حمراء تنهد واضحة فارسة غائرة في العمق تدخل روحها ذلك القلب العاشق ويسكنان قلبان في روح واحدة، مريم تعهدت أن تجمع وتطرح وتواصل تقدم الوهج وتقتل الإستسلام تعربد في ثنايا الخذلان وتكسره تنفذ علامات قوة على جبين أطلال العمر، وسفينة الأيام، تعد وجبات من أمل وتعمل على استئصال الخمول، هيا مريم توقدي لدينا الكثير لنفعله.
الغيمة هي منزلها الجديد الذي عملنا على تهيئته كقصر لملكة الياسمين، نوافذه مطلة على الشمس وأخرى على القمر، به أجمل الزهور وأنقاها، به الياسمين وعبير ود وألفة، به أرائك من قطن وسرير من المخمل الناعم يزورها قلبها الثاني كلما شعر بضيق الوجود وتزور هي ذلك القلب وتسكن خياله الخصب وتعدو كحصان أبيض في مختلف الأرجاء، أعدت جواً لطيفاً وسعادةٌ غامرةٌ وأخذت بيد العمر ليواكب تطلعات العصر، ألهمت كل الطيور بالسرور وعودت الليل على الهيام، أفاق الصباح على حسنها وتمادى العطر من أنفاسها.
جاءت كوطن حر لا ينقصه إلا الكمال، جاءت وكل حرف فيها يدل على السجال، مرئية، رحيمة، يمانية، متسامحة، هي تنشر جو الأصالة والصبا والقوة تخطف النجوم لتلعب معها مرثية الجنون، لديها عليَّةٌ في القصر تداعب من خلالها أجمل السطوع، لا تأكل إلا القليل وماؤها ريق غمام، ودلالها بين ألفٌ ولام، تحل أي وجع وتحارب أي ضيق، سلمت من ورائها قوافل الأقزام السبعة وأخفت التفاحة المسمومة، مريم حين يذكر الوهج تجدها، حين يحضر الضحك تجدها، حين نبتلع الهم تسقيك أريجها، لديها ما يكفي من جمال الزمن الماضي، لديها مسارات عديدة توصلك لأجمل نقطة من التفاؤل ولديها صفحة مليئة بالزهور تجمعها في حديقة واحدة، تعودنا أن نتخيل العالم متعب، ومريم تجعله هلامي كي تلعب معك، وترسم لك أجمل اللوحات سحرية الدواخل والألق، الغيم حين يعبر بذات الوقت يستقل أول قطار قادم من الشرق وتسافر مريم لعمق اكتئاب جعلها في غربة، ولزم الصمت أرجاء المكان، حين يوقد الحب نسافر به عطر وملامح، إنها تعيد الحسن شيئاً فشيئاً لأرضية القلب الذي أرهقه الحب والحزن عند الغروب، تحن مريم إلى الغيم وتعود، سيأتي الياسمين ويبدأ بطهركم ويتعدى أنفاسكم ويرحل فعندما ينشغل عقلك وقلبك بشيء ما يأتي السهر لآخر قطرة من دمك وتدخل متاهات قد تبدو لك مسلية، وقتها فقط سأعرفك كيف تتخذ قراراً من طرفٍ واحد، وخذ ما أتيت به من حب ودع قلبي ينبض بسلام وإذ تعود لن تجد من يرقص لعودتك ستجده أكثر تألماً، ولأنك تعرف غرامك في قلبي تتوغل أكثر، إنها تتحداك مريم لتقول خذ ما تبقى من وجعي وارحل لعلي أتنفس قليلاً.
المعابد مليئةٌ بالكفر وعبوديتها أهدرت، كيف تقتلع قلبها وتنسى المعابد، خذ قدراتك من وجوه مزيفة وتعوذ من شرور نفسك، لدينا وجوه، ولكنها أجمل لتأتي بأكوام الحمام في قلبي وتأمرني بالانصراف، فالإشتياق يتلاعب بكل أعضائك وينشرها على حبل الترقب، فالروح حين تسلب يموت الياسمين.
يأتي أول الشتاء لتأتي بأعضائك أدخلها في موقدي لتدفأ وتأتي الدموع لتترك بصمة الحزن والأسى إنها تقتلنا معاً!، إليك مريم عنوان الثواني التي ستأخذ روحي، دعيها تعتزل القتل ودعيني أتنفس ولو قليلاً لقد دُفنت بين مقابر الوقت لم يمنحني الحياة والحب ولم يتماسك معي لنعبر، عبر هو وتركني.
مريم كل يوم تغسل شعري بماء القدر وتنثر عبيرها؛ لأتعلم الوقوف من جديد، هي تعد لي العشاء وترسم لي نجوماً في السماء، ولكنها غرقت في عشق آسر، عيَّشها في مغامرة حلوةٍ تركتني من أجلها؛ اتخذت من المساء حضناً لرجل خرافي جاء من زمن الشرفاء الذين يخافون التخطي، ولا يعرف للزمن غدرا، لقد انبهر بمريم وأحبها، وكان يترك نفسه تحت ظلها، ثم يهرب لمنزله ويترك مريم حزينة، تبحث عنه ويجعلني وسيلة بينهما، عادت لترسم أول خفقات قلبها، العشق يدمر الثناء، ويبعد الغرباء، ويعلق قلبك بين أرض وسماء، ثم جاء متلهفاً للوضوء، ويستخير الله أنه عاشق، له أن يحب الخيال وله أن يفعل ما يشاء مع مريم؛ لأنها خياله .
مريم أطلعته على سر الغيوم، وسر الدواء السحري الذي نجربه على الوتين، أدخلته بليل ذهبي لا سواد فيه، علقته في قطنية العرش وروائح الياسمين، وأدخلته عمق الغيم وأخذ كل جمال مريم، واستباح براءتها بكل حب، كأول الغيث يقشعر له الجسد ويبهج، وينثر الرغبة في جمال العشق، لقد كانت معه أجمل وأحبته ووقعت له بالرضوخ والثمول، لقد تعاطت السحر معه، وعاشا ليلة من ألف ليلةٍ وليلة، والغيم يصفق لكل ذلك الشغف الذي اخترق قلبيهما؛ إنه الحب يبيح المحظورات، ويغامر بعقلك، ويلغي التفكير بالغد .