الهاجس النفسي
هلال بن حميد المقبالي
يقال: إن المواقف تكشف نوايا الآخرين وما يكنونه لنا في قلوبهم وعقولهم. ويقال أيضًا: إذا أردت أن تعرف من تصاحب فأغضبه.
وهذه حقائق يعلمها من جربها ووقع في مستنقعها.
ففي المواقف الحرجة تظهر معادن الشخص تجاه الآخر، وينكشف كل ما يحمله لنا في داخله سواء كان حبًا أو كرهًا، وربما يسمع ويرى ما لم يألفه من ذلك الشخص سابقًا، وأياً كان ذلك الشخص (أخًا، صديقًا، قريبًا، أو زميل عمل) تشعر حينها وكأنك أمام شخص آخر لا تعرفه من قبل، أو لم تكن تربطك به علاقة (أخوة، صحبة، أو زمالة) ينفجر في وجهك ويبدأ بقذف حممه الكلامية عليك، وأنت في ذهول من الأمر، رغم أن الوضعَ لا يستدعي كل ذلك الشيء، وتلك المشكلة لا تستدعي كل ذلك التعصب اللا أخلاقي.
وإذا بحثنا عن السبب الحقيقي وراء ذلك سنجد حتمًا هناك غيرة أو حقدا من شيء ما تجاهك من ذلك الشخص، أو أي شيء آخر رآه فيك، ولم يكن فيه، ولم يستطع الوصول إليه، وفي الحقيقة كل تلك الأسباب عبارة عن هواجس نفسية عاشها وظلت عالقة لديه لا تمت للواقع بشيء، ويظل هذا الهاجس النفسي دفينا ومتراكما مع مرور السنين، ويظهر هذا الهاجس النفسي بعد ظهور مشكلة ما أو سوء تصرف أو أيًّا كان هذا الشيء، ليجد هذا الشخص فرصة سانحة وبدون شعور منه يرتفع هذا الهاجس النفسي ويعلو، وينفجر أمامك وكأنه بركان ثائر يرمي حممه الكلامية بدون رأفة أو رحمة، وبدون أي تقدير أو احترام له ولك، ولغيره ممن وُجد أو حضر عندما سمع ارتفاع الصوت؛ بعدها تتأرجح المشاعر بينهما، ويكتشف الآخر حقيقة الآخر، وربما تستمر العداوة أعوامًا.
وكم تكون المصيبة عندما يكون هذا الآخر من المقربين إليك، وذات صلة رحم! فلماذا كل هذا؟
ورسولنا الكريم ﷺ يقول فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه:” ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ”. (متفق عليه).
فإن كان هذا الآخر محبوبا عند بعضهم أو يرتاح له بعضهم، كما يراه الآخر في نفسه، فلِم الغيرة والحقد؟ لماذا لا أبحث عن سبب أوجد هذا الحب والارتياح لذلك الشخص، وأكون مثله وأحذو حذوه في المسار، بدلًا من النظر إليه بعين يملؤها الحقد والحسد، وتتغذى بالهاجس النفسي؟
قال الله تعالى” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم”. (الرعد: من الآية11) فالتغير واجب شرعي وأخلاقي وفرضية اجتماعية في كل شيء في سلوكنا، وتصرفاتنا، وعلاقتنا، وحتى في أسلوب معيشتنا، والتغير هنا يكون للأفضل وليس للعكس، فالعلاقة المبنية على الحب والاحترام للآخر لا يعكر صفوها شيء، فلا توجد مشكلة إلا ولها حل، ولا يوجد اختلاف رأي يفقد المعزة والود بين الأشقاء، والأحبة ما دام الاحترام هو أساس العلاقة، واتخذناه منهجًا نتدارسه في تصرفاتنا وسلوكياتنا وتعاملنا، ونراقب به أنفسنا؛ لكي لا يتملكنا سوء الهاجس النفسي ويصل بنا إلى الخصومات، وقطع العلاقات، وقطع صلة الرحم بسبب هو أقرب إلى الجهل.
إن المفارقات التي نعيشها في هذه الحياة، مثل كيفية التوفيق مع رغبات الآخرين، هي أعظم هاجس لنا وكما يقال: “رضى الناس غاية لا تدرك”، فليس من الطبيعي أن نغرق أنفسنا في مشكلة ما؛ لأني لا أرتاح لفلان ولا لأسلوب فلان، أو فلان محبوب أكثر مني، والكثير من هذه الهواجس النفسية التي نعيشها وتجيش بها أنفسنا، والتي تضعنا في صراع دائم بيننا وبين الآخر، وتتسبب في هدم علاقات، وتدمير أسر، وقطع صلات رحم؛ فلماذا لا نترك هذه الهواجس النفسية، والنظرات السلبية جانبًا، ونرضى بالواقع؛ لكي لا نزيد الأمر تعقيدًا..؟