التفاحة
خلفان بن علي الرواحي
خرج بثوبه الممزق الذي لا يغطي إلا القليل من جسده النحيل، ليس هناك ثمة لحم على تلك العظام الناشزة، هيكل عظمي يتحرك فقط، هناك روح باقية، غارت العيون وانطوت الخدود ولم يظهر من الشفتين إلا ذلك الجفاف الذي يعتريها، تكاد الرقبة مع الرأس النحيل ينفصل عن بقية الجسد.. متثاقلًا يجر نفسه بين أكداس القمامة لعلة يجد لقمة تسد جوعه.. يبحث عن كنزه الضائع بين قمامة الأثرياء من البشر، وقد يشاركهم غيرهم من هم أحسن حالًا منه بكثير.. يدس يديه داخل البراميل ويفتح الأكياس، لكن في كل مرة لا يجد إلا المحارم الصحية وحفاظات الصغار، لا يكترث بالوسخ الذي يلحق يديه فالماء لا يقربها إلّا نادرا.. يواصل البحث، وفجأة تسقط أمامه جميلة.. يفرح.. ينظر إليها.. لقد وجد ضالته.. لونها الجميل يشد الكل كيف هو.. لم يقترب منها أحد كانت كاملة كما هي.. يقترب منها قبل أن يلمسها ينظر ليديه.. لا يمكن أن أرفعها بكل هذه القذارة.. يجب أن أجد الماء لأغسلهما.. يبحث هنا وهناك ليجد قارورة ماء بها بقية يغسلهما بعجالة ليزيل الدرن، ولا ينتبه للأوساخ المتراكمة تحت الأظافر.. انتهى.. ينظر ليتأكد.. نعم الآن سوف آخذها.. يقترب رويدًا رويدا.. وبدأ يحلم بها قبل أن يتناولها.. سوف أقسمها أربعة أقسام.. وأستمتع بكل قسم وألتذذ بها.. لن أفرط في شيء منها.. كما أني سوف أمضغها جيدًا وكأني أعصرها.. بذلك الخلاط الذي رأيته مرة عند صاحب المقهي الذي كلما مريت بجنبه نهرني وطردني من عند المقهى.. يقترب، وفجأة يسقط على الأرض ويضربها دون قصد وتتحرج أمام عينيه حتى الشارع المزدحم بالمارة.. نهض مسرعًا متناسيًا الألم.. تتقاذفها الأقدام التي لا تعيرها الإهتمام مثل ما كانت عينيه تراقب حركتها.. يجثو على قدميه.. يحبو.. هناك من ينظر إليه ويبتعد عنه.. آخرون يركلونه بأقدامه.. هكذا كله لا يحدث به شيئا.. أخيرًا وصل إليها.. أمسكها بقوة.. احتضنها حتى لا تفارقه مرة أخرى.. فتحت يده بعد أن وجد نفسه في الجانب الآخر من الطريق.. لم يجدها كما كانت.. لقد ضاع بريقها وتلاشى جمالها.. لم يبق على القشر أما اللب فقد ذهب مع الأقدام.. بكى حرقة ولكن الجوع يقتله.. تناول تلك البقايا ووضعها في فمه وبدأ يمضغ.. لا شيء مجرد قشر! كأنه ورق.. سوف تسقط في بطنه الخاوي لتزيده ألما.. ينهض يندب حظه..
من بعيد هناك امرأة تشير إليه لا يدري ماذا تريد؟ اقترب منها.. تناولت من الكيس الذي تحمله شيئا.. خذ.. فتح فمه فرحًا.. لم يصدق نفسه..
المرأة: هذه بدل التفاحة التي فقدت، والأخرى هدية مني لك.. نظر إليها وابتسم.. تم رحل وهو يأشر لها بيده مودعا