أخلاقيات المهنة والالتزام بها مطلب
د.أمينة بنت راشد الراسبية – مشرفة إدارة مدرسية بجنوب الشرقية
يتحقق النجاح لدى الأفراد والمؤسسات بمدى التزامهم بالواجبات الوظيفية والمسؤوليات التي تنبثق من بطاقات الوصف الوظيفي لديهم، بالإضافة إلى سمات وصفات إيجابية وقيم مستمدة من ديننا الإسلامي والسنة النبوية الشريفة، كالتعاون، والصدق، والإخلاص في العمل، وتحمل المسؤولية، وحسن توظيف العلاقات الإنسانية، ونبذ الأنانية وانتظار إسناد نجاح العمل لشخص ما دون أن يكون أهلا لذلك. ويتمثل سمو الرسالة فيما يتعلق بالمهن في أنها تهدف لبناء ورفعة الإنسان في جميع الجوانب المعرفية العقلية والجسمية الحركية والانفعالية أو الوجدانية.
أخلاقيات المهنة هي القواعد والآداب السلوكية التي لا بد ان يلتزم بها الموظف كما حددها القانون، والتي استمدها من الدين الإسلامي الحنيف، فالمهنة امانة تستلزم قيامنا بتأديتها على أكمل وجه، ومراعاة حق الله عز وجل فيها فنحن محاسبون عليها، وميثاق أخلاقيات المهنة مثبت بتسع مواد (أهداف الميثاق، المبادئ العامة لأخلاقيات مهنة التعليم، المعلم ورسالة التعليم، المعلم ومادة تخصصه، المعلم وطلابه، المعلم وزملاء المهنة، المعلم والمجتمع، المعلم والأسرة، التزام المعلم بالمبادئ التي تتضمنها هذه الوثيقة)؛ فهي رسالة تستمد أخلاقياتها من هدي الإسلام، ومهنة سامية يستشعر صاحبها عظمتها ويؤمن بأهميتها، وهي رسالة تنأى بصاحبها عن مواطن الشبهات وتلزمه الحفاظ على شرف المهنة، كما أن التعليم قرين التربية في إنماء القوى والمواهب (الوثيقة صادرة من مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي 1341هـ-2010م).
أخلاقيات المهنة ليست حكرا فقط على المعلم بل هي إلزامية لكل موظف على هذه الأرض الطيبة، ولكن لأن التعليم أساس المهن الشريفة، وهو المعول عليه في بناء الإنسان الذي كرمه الله عز وجل؛ ولأن المعلم فارس الميدان في هذه المهنة؛ فإن مضامين هذا الميثاق قد وجهت إليه على نحو مباشر، فالجميع من أصحاب المهن المختلفة وبتنوع المسميات الوظيفية في كل المؤسسات عليهم الالتزام بأخلاقيات المهنة، من قيم تبدأ بأن يكون الموظف القدوة الصالحة فلا يطلب دون أن يكون نفسه متحلٍّ بتلك الصفة أو القيمة لأنه لن يكون لائقا ليكون مسؤولا.
النجاح أمر ننشده جميعنا، ونتمناه في كل مجالات حياتنا، ولكن هل النجاح هو الإخراج النهائي للعمل؟ بحيث أنه الجزء الذي يراه الآخرون فقط، فيما عدا ذلك قد يكون هذا النجاح هو لعمل شخص دون غيره بنفس المؤسسة، أو عمل لشخص لا يمت لتلك المهمة بصلة، ولكن بحجة أن الشخص لا يستطيع أن يتقن العمل فيكلف بها غيره، حتى من لا يعرف فهو غير معفي؛ لأننا لو ظللنا على كلمة لا نعرف فلن نصل أبدا إلى تحقيق الهدف المنشود، التدريب والسؤال والاستفادة متاحة للجميع ليتعلم، فهذا بحد ذاته هروب من المسؤولية، النجاح الحقيقي أن يكون المسؤول حاضرا من بداية الفكرة والتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم والتقويم؛ ليقف على كل كبيرة وصغيرة، ويوجه رسالة لموظفيه أنه معهم ويطمئنهم لإنجاز عمل مشترك، يتسم بالتكاملية وحسن التواصل بين الأفراد بدون تسويف او تأخير أو نسيان، والإدراك السليم لكيفية إدارة الوقت، النجاح الحقيقي أساسه الاستعداد المسبق ووجود الإجابة المنطقية لكل سؤال؛ لأن الموضوع بني على دراسة مسبقة وتشاور ومعرفة واقعية للوضع كاملا.
فالنجاحات التي تتحقق بتكاتف المسؤول مع الموظفين تكون مثمرة وذات أثر عن تلك التي تتحقق كجهد موظفين وهم في عالم والمسؤول في عالم آخر ينتظر فقط لحظة انتهاء الحدث ليعلنه إنجازا له، خاصة أن المسؤول لا بد أن تكون له نظرة مستقبلية ورؤية ثاقبة في كيفية تنفيذ مهمة ما من خلال خطوات مدروسة، وتشاور وإبداء المقترحات ووجهات النظر للخروج بالفائدة المرجوة، والتي تحقق المصلحة العامة، وليست تلك التي تعد بأصابع اليد، فكلما اتسعت دائرة المنفعة كان انتشار الأثر أكثر جدوى وأعمق أثرًا.
كذلك النجاح الحقيقي لا يكون لأفراد محددين في مؤسسة ما، وكأنهم يعملون لأنفسهم، هؤلاء فهمهم للنجاح قاصر جدا ومحدود، فالمؤسسات للجميع والخدمة للوطن وأبناء الوطن، النجاح الحقيقي هو بجذب فئات أخرى واستقطابها للمشاركة والتكامل، وحسن التواصل، وأخذ المقترحات والتشاور، وتوظيف مبدأ العلاقات الإنسانية لصالح العمل المتكامل والناجح، حتى أن ثمرة العمل الجماعي كنجاح مشترك يبقى مميزا؛ لأنه جمع مميزات كل أفراد الفريق وليس فقط أشخاصا محددين، فلنراجع أنفسنا ونقف على أولويات التطوير، ونهذب سلوكياتنا بالفهم الواعي لأخلاقيات المهنة والالتزام بها، ونعي معنى القدوة قبل توجيهنا تعليمات لغيرنا، فنحن محاسبون أمام الله عز وجل.