الاحتفال بيوم السياحة العالمي
محمد علي البدوي
في السابع والعشرين من سبتمبر القادم يحتفل العالم بيوم السياحة العالمي، وهذه المرة تستضيف إندونيسيا فعاليات الاحتفال الذي يمتد لعدة أيام.
المنظمة العالمية عقدت العزم على توجيه الدعوة لجميع الدول الأعضاء، كما وجهت الدعوة إلى عدد كبير من أصحاب المصلحة والأطراف الفاعلة، ومنظمات القطاع الخاص، ومنطمات الأمم المتحدة ذات الصلة.
تهدف منظمة السياحة العالمية إلى تحفيز الأعضاء وجميع الضيوف الذين سيشاركون في الفعاليات على إعادة النظر في الطرق التي ننظر بها إلى السياحة، خاصة من ناحيتي الحجم والقدرة على الملاءمة، والتي يقصد بها قدرة القطاع السياحي على مواءمة كافة التغيرات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي، والبحث عن سبل لمواجهة هذه التغيرات عن طريق البحث عن سبل لإيجاد الدعم المادي اللازم للقطاع ومؤسساته، كما تهدف المنظمة إلى حث المشاركين على البحث عن طرق جديدة ومبتكرة لتفعيل ما ورد من بنود وتوصيات في الكتاب الأبيض الأول والثاني، والتي تتعلق بإعادة هيكلة المنظمة، وتنظيم العمل داخل إدارات المنظمة المختلفة.
لذلك قامت المنظمة الدولية بإرسال الاقتراحات والأفكار التي تتم حاليًا مناقشتها من قبل أعضاء المكتب التنفيذي؛ ليقوم المشاركون في الاحتفال بدراستها، أو بصورة بسيطة ليقوموا بطرح رؤيتهم الخاصة المتعلقة بالموضوع الذي سيكون محل النقاش خلال الاحتفال.
وستنظم المنظمة خلال أيام الاحتفال عدة جلسات حوار مع أكبر عدد ممكن من الحاضرين، سواء أكانوا دولا أعضاء أو منظمات خاصة؛ للاستماع إلى وجهات نظرهم ومناقشتها معهم، كما سيكون من حق كل المدعوين طرح جميع الأفكار التي توصلوا إليها؛ ليكون الموضوع برمته أشبه بجلسة حوار مفتوحة يشرح فيها الكل للكل ما يعتقد أنه يخدم أهداف المنظمة من هذه الاحتفالية.
وبعد ذلك سوف يتم عرض ما سينتج عن جلسات العمل والحوار من توصيات وخطط وأفكار في بيان رسمي خلال اليوم الأخير للاحتفال، ويتسمله بعد ذلك المكتب التنفيذي للمنظمة للعمل على تحويله بسرعة إلى خطة عمل مباشرة، وذلك بعد أخذ الموافقة عليه من أعضاء المكتب التنفيذي ويعتمده في النهاية الأمين العام للمنظمة ليكتسب قوته الشرعية، ويصبح بمثابة قانون يحكم العلاقات السياحية، وينظم بشكل كبير كل ما يتعلق بموضوع النقاش.
شخصيًا كنت ولا زلت داعمًا بقوة للمنظمة في العديد من أدوارها التي أدت وستؤدي إلى تغيير الصورة الذهنية السلبية للسياحة، بالإضافة إلى الإيمان الشخصي العميق بأن للمنظمة أدوار أخرى، اجتماعية واقتصادية وإنسانية لا يمكن إنكارها.
ولكن هناك بعض الجوانب السلبية التي لا يمكن غض النظر عنها، وأزعم أن لها من الأهمية بمكان. من هذه النقاط التي أشار إليها كثير من الخبراء السياحيين، هو كثرة المؤتمرات والاجتماعات والندوات التي تعقدها المنظمة، سواء بشكل إقليمي أو بشكل دولي أوسع نطاقا.
لا يمكن إنكار أهمية هذه المؤتمرات وما تخرج به من توصيات، وأحيانًا قرارات، ولكن هل نحتاج إلى هذا الكم الكبير من المؤتمرات في وقت تبحث فيه المنظمة عن مصادر تمويل لتدفع رواتب موظفيها؟
والأمر الآخر يتعلق بجدوى هذه المؤتمرات في ظل أنها لا تخرج لنا إلا مجموعة من التوصيات معظمها لا يتم تفعيله، وحتى القوانين الخاصة بالمنظمة لا يتم تطبيقها في أغلب الأحوال، كما أن الدول الأعضاء ينظرون إلى المنظمة نظرة توقير واحترام، وينتظرون منها أن تسهم بشكل جدي في حل مشاكلهم.
نعم إن المنظمة لا تستطيع حل مشاكل كل الدول، ولا تستطيع توفير الدعم المادي للأعضاء وليس مطلوب منها هذا الأمر إلا إن كانت قادرة على ذلك.
بيد أن الدول الأعضاء وخاصة الدول الفقيرة والنامية يتوقعون من المنظمة أشكالا أخرى من الدعم، والوقوف بجانب هذه الدول المتراجعة اقتصاديًا، والتي ما زالت تئن تحت وطأة الفقر الاقتصادي، وتعاني من غياب مصادر الدخل القوية التي تستطيع بها تحقيق نمو وتنمية توفر لها على الأقل بعض فرص العمل. هذه الدول لا تحتاج إلى دعم فني من نوعية تدريب العمال، أو تقديم دراسات متخصصة وخلافه من أنواع الدعم الفني التي تعمل المنظمة على توفيرها بشكل منتظم للأعضاء، بل تلك الدول تبحث عن فرص الاستثمار وجذب المستثمرين والاستغلال الأمثل لمواردها، ولا تلتفت في الغالب إلى النظريات والأطروحات والتحليلات؛ لأن أولوياتها مختلفة تمامًا عن أولويات المنظمة، فإن تطلب من دولة فقيرة أن تهتم بالتوصيات الناتجة عن المؤتمرات أشبه بأن تطلب من طاهي أن يكتب دواء لمريض بمرض خبيث!!
كما أن الدول الأعضاء وخاصة الفقيرة منها قد نضجت وبلغت سن الرشد، وأصبح بمقدورها تقييم دور المنظمة خاصة فيما يتعلق بالدعم المقدم.
الدعم كما قلنا لن يكون ماديًا، ولكن المنظمة قادرة على تحويله إلى دعم مادي إذا ما استطاعت تطبيق أحد بنودها الرئيسة، والذي نصت عليه مواد الدستور السياحي الذي يحكم عمل المنظمة، وهو مبدأ تحقيق عدالة توزيع التدفقات السياحية.
أكدت أكثر من مرة أن حجر الزاوية في حل العديد من مشكلات الدول السياحية الفقيرة يكمن وراء قدرة المنظمة على ضمان توزيع عادل للسياحة والعمل على عدم حصول الدول الأقوى داخل وخارج المنظمة على القسط الأكبر من التدفقات السياحية، ووقوف المنظمة منها موقف المشاهد، بل وعدم قدرتها على النقد أو الاعتراض الذي يثبت ضعف المنظمة وإداراتها أمام الدول الكبرى صاحبة النفوذ والقوة.
لن تكون المنظمة صاحبة قرارها في تحقيق هذا المبدأ إلا إذا اعتمدت على مواردها المالية الخاصة، وأصبح لها مشروعات سياحية في كل دول العالم، توفر للمنظمة دخلًا يعفيها من البحث عن الدعم المادي من الدول الأعضاء أو المنظمات والهيئات العالمية أو منظمات القطاع الخاص.
المنظمة كما يردد البعض مخترقة من داخلها، وهناك موظفون يعملون لصالح دول بعينها ويتلقون تعليماتهم من هذه الدول التي تعرف جيدا كيف تدير اللعبة.
هل تعلم عزيزي القارىء أن المنظمة نفسها اعترفت ضمنيًا بوجود قصور ما في بنودها وطريقة عملها؛ ولذلك أصدرت الكتاب الأبيض الأول، وتلاه الكتاب الأبيض الثاني، وكلاهما محاولة جيدة لتعديل وتصحيح المسار، وتفعيل دور المؤسسة وإداراتها المختلفة، وسوف نتطرق في وقت لاحق للكتابين.
مبدأ تحقيق العدالة هو القادر على ضمان حصول كافة الدول الفقيرة على نصيب معقول من السياح، وهذا في حد ذاته ما سيوفر لهذه الدول الاستقرار والأموال التي تحتاجها لتحقيق التنمية، فهل ستقوم المنظمة بتعفيل هذا المبدأ وضمان حصول كافة الدول على حقوقها في ظل وجود منظمة ضعيفة تحتاج إلى إرادة قوية لفرض كلمتها على الدول الكبرى؟
حفظ الله شعوبنا العربية