2024
Adsense
مقالات صحفيةمن عُمان

غدرتَ يا بحر!

مياء الصوافية

وكأن حال أنس الصغير ذي سبع سنوات (ابن قريتنا) يقول مخاطبا البحر بعدما مات غرقا في شاطىء السوادي هو وأخته وأبوه:

“حملتك سعادة في حلمي؛ حيث أطياف لونك الأزرق الذي أشعل شوقا متأججا عجيبا؛ لترتسم صورتك حينها كأنها الحقيقة في عينيّ؛ فتلألأت أطيافك المفرحة بألوانها السبعة أمامي؛ فغنى قلبي لها، ونادتني صور مَدِّكَ الممتد، تخيلتني معه وكأني ألتحف به كبرودة حُلْمٍ تأخذ بجسدي الصغير إلى عَالم قاعكَ، وبريق مرجانكَ وروعة أسماكك، أما جَذرك أخذني إليكَ كقصة سندباد، وكقصة غواص يستخرج لآلئكَ، وكقناصٍ يباغتَ حوتكَ ليكون في سَطوة شِباكه، تخيلتني أمتطى صهوة أمواجكَ العاتية وأشرع صدري لمداكَ الممتد، ولحلم تتبع مجهولك .
تخيلتك أكثر من هذا؛ فواقعي بعيد عنك أنا لست ابن بحار؛ فجذوري نَبَتَتْ بعيدة عنكَ عن مرافئكَ وشطآنكَ الحالمة نبتُ حيث الصحاري ودوحات النخيل، ودروب الفيافي التي تربطني بعوالم آخرى برية سارت على دروبها كما قالوا لي القوافل والمركبات لا السفن والأشرعة.
رأيتكَ فقط في صورتك الجامدة، وصورتك المتحركة في وسائلنا الحديثة، وريشة فنان أَسَرْتَه مثلي،وأحاديث شدتني إليك،ووضعت يديّ على خديّ منسجما مع معزوفة أساطيرك العظيمة.
في يوم ما صنعت مركبي الصغير من الورق، جعلته يبحر في بركة ماء جاء بها المطر، وجال في خاطري بأنها هديتك تذكرني بك..ركبتُ مركبي في عالم خيالي وكانت الرياح تجري لمشتهاي؛ فزاد حنيني إليك، وتتابعت الرجاءات لأسافر إلى حلمي الممتد بك وإليك.
حين نظرتك والتقيتك بك تنسمت شيئا من هوائك حملني معه إلى دفقة حياة أخرى دخلت جوفي، فشعرت معها بشيء عظيم من سعادة تشبه هواء صباحي وأنا ذاهب إلى مدرستي لإكمال خطوة من خطى مستقبلي بأن أكون بحارا أبحر في علومك على زورق الاكتشاف،وتجلد الصبر.
آه يابحر! اعتقدتك الحلم والمستقبل؛ فتلاشيت فيك وحلمي.!
وحين لامست برودة مائك رجليّ أحستت وكأني ضيفك، لكنك كتمت أنفاسي!
آه يا بحر ..أحببتك حب أمنية تلتحم بأحلامي وتمطر قلبي فرحا، وتزيد من بهجة أساريري؛ فأبعدتني عن من أحبني!
ورأيتُ في مهابتك وامتدادك الذي لا أعلم نهايته السند لي، لكنك كسرتني وكسرت أملا مدخرا لأمي ولوطني.
فأي جرح تركته لها بعدي، وأي أسى حفرته في قلبها الحنون؟
آه ..يا أماه ..كيف تكونين بعدي؟
سلام عليك أماه، وعلى أراجيح الطفولة، وابتسامات الدعابة مع رفقتي الطيبة، سلام على مدرستي على رفاقي على أقلامي ودفاتري، سلام على وطني وعَلمي الذي تمنيت أن أرتقي به هام السماء، سلام على قلبك الطاهر أيا أماه.

سلام على روحي وعلى روح أختي وروح أبي، سلام ورحمة على قلبك أمي، سلام على هدوئك الصابر، وعلى دمعك الغزيرالذي يتحدى ثباتك فيزعزعه، وبات جليسك بعدنا، سلام على قصص طفولتنا،وزوايا ستشتاق لنا، ودروبا شمت روائح البراءة منا؛فهزجت معنا، سلام على مدرستي الحبيبة التي حملت مستقبلي،لكني لم أكمل إلا خطوة واحدة منه؛ فما عدتُ إلا ذكرى جميلة تطوف دموعا على كل من أحبني.
صورتي أماه تحرك ارتجافة عظيمة في صدر من عرفني، وتنبتُ أسى من شوك يقض مضاجعهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، جعل الله ملتقانا الجنة يا أماه، وعوّضك الله بها عنّا؛ فهي الرحمة المنشودة، والنعيم الدائم الذي لا ينتهي”قال تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» الزمر/١٠

نناشد الجهات المختصة،وأصحاب المبادرات ومن يعنيهم أمر مجتمعهم بوضع لوحات تحذيرية وإرشادية في الأماكن الخطرة غير الظاهر خطرها؛حتى لا تزهق أرواح أخرى، وعلى الأخص على شواطىء البحار والمسطحات المائية كثيرة الارتياد.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights