بين القبح والجمال 2
محمد علي البدوي
للجمال صوت لا تخطئه الأنفس التي لم تستطع الحداثة أن تطمسها.
وللجمال قوة غير مرئية تنفذ إلى النفوس؛ فتحقق لها قدرًا من السعادة لا يمكن أن تستغني عنه أشرس النفوس وأشرسها وأكثرها تجبرًا وغرورًا وفسادا.. إلى آخره.
هناك حد أدنى من الاحتياج إلى الجمال إن لم يتوفر للإنسان تحول دون أن يدري إلى مخلوق مطموس المعالم، وابتعدت عنه طبيعته البشرية السمحة.
الجمال من وجهة نظر العامة هو الشعور بالسعادة لسبب ما، يختلف من شخص لآخر، فأنا أرى منظر بنايات وسط البلد في القاهرة أجمل الأشياء التي يمكن للعين رؤيتها، بينما ترى أنت منظر العيون الطبيعية في صحراء صلالة أو الأردن من أروع المناظر.
المهم أنك تستمتع بما ترى أو تسمع أو تأكل أو تمارس أو…الخ.
وبعيدًا عن النظريات الفلسفية التي ننفر منها فإن الجمال ببساطة العوام هو كل ما يجلب لك الهدوء والسكينة، ويغير من شعورك السيء إلى شعور أفضل.
ولكن هل يوجد في عالم اليوم المحتدم بكل ما يضيق الخناق على النفس البشرية ما يجعل الجمال متاحا للجميع؟ وهل تحول الجمال إلى سلعة غير مجانية يجب أن تدفع فيها أموالا كثيرة؟
وهل أصبح الاستمتاع بالجمال قاصرًا على فئة معينة قادرة بأموالها على البحث عن الجمال بكل أشكاله المتعددة والحصول عليه؟
هذه أسئلة غير معتادة ومن الصعب الإجابة عليها، أو بالأدق من الصعب تفصيل إجابة محددة، فكل جمال يختلف عن الآخر، وكل جمال له تفاصيل شديدة التعقيد؛ فالجمال المعماري يختلف عن الجمال الأخلاقي، وكلاهما يختلف عن الجمال الطبيعي….. الخ
ولكن بصفة عامة يمكننا تناول بعض العناصر الجمالية والتي ترتبط بالمواطن العادي، ونرى معًا إن كان قادرًا على التمتع بالجمال المتاح حوله في البيئة التي يعيش فيها أم لا؟
واقع القول: إن هناك ملايين من البشر في كل بقاع الأرض لا يلتفتون إلى ما نثيره أو يثيره غيرنا من ضرورة ضمان حصول كل إنسان على حقه في الاستمتاع بالجمال، والذي(حسب قوانين حقوق الإنسان) ليس حكرًا على أحد.
وهو من أهم حقوق الإنسان، بل وأرى أنه واجب مفروض (بحكم الإنسانية) على الحكومات والدول أن تيسر للمواطنين كيفية التمتع بالجمال.
لكن الحقائق والواقع المرير ولأسباب أكثرها اقتصادي وتعليمي وثقافي -لا يمكن تحقيق هذا الهدف-.
فلننظر حولنا إلى عدد الفقراء والمحتاجين، وعدد الذين يعانون من كوارث طبيعية، ونحاول ربط كل الأشياء ببعضها، حتى تتضح الصورة ونستطيع تكوين رؤية شاملة لما نحن بصدده.
نحن نرى طبيعة الجمال في الخير والحقيقة والعدل وغيرها من القيم القادرة على تحقيق التوازن في المجتمع.
في الفن مثلًا ثنائية (القبح والجمال) تتكرر كشكل من أشكال التناقض، فالجميل في الفم هو ما يحقق المتعة واللذة الجمالية للمتلقى، أما القبح فهو ما يحقق النفور والتقزز.
وعملية تحديد ما هو جميل أو قبيح تعتمد على الفردية، فما تراه جميلا قد يراه غيرك قبيحا.
فمعايير الحكم الجمالي تختلف من فرد لآخر، فثمة معايير عديدة تتحكم في عملية التذوق الفني والجمال بشكل عام.
أرسطو يرى أننا أمام الجمال نشعر باللذة والمتعة، بيد أن هذه اللذة مختلفة عن اللذات الحسية؛ كلذة الأكل ولذة السلطة .. إلخ. واللذة التي نشعر بها أمام ما هو جميل فهي لذة جمالية غير حسية غير وقتية هي لذة دائمة.
أحيانًا يلبس القبح رداء الجمالِ رغبة فى كسب مادي أو معنوي؛ فننخدع فيه ونعيش حياتنا فى قبح متواصل دون أن ندري.
يقول الشاعر:
ليس الجمال بأثواب تزيننا إن الجمال جمال العلم والأدب
يقول الفيلسوف فولتير:
اسأل ضفدعًا، ما الجمال؟سوف يرد على وجه السرعة بأنها زوجته الضفدعة بعينيها الدائريتين الجاحظتين. ويقول أيضًا اسأل نفس السؤال للشيطان، سوف يخبرك أن الجمال هو زوج من القرون، أربعة مخالب، وذيل.
إننا نرى صورة الشيطان جميلة إذا كانت تمثيلًا جيداً للقبح.
لذلك فرؤية القبح والجمال نسبية بجدارة تعتمد على عدة عوامل، والجمال في حد ذاته نسبي، والشعور به نسبي أيضا، فالجمال المعنوي يختلف عن الجمال الملموس، وكلاهما يحقق المتعة والسعادة، فرؤية زهرة جميلة أو منزل جميل أو منظر جمالي أو الاستماع إلى الموسيقى أو مشاهدة الظواهر الطبيعية من الجمال الحسي الملموس، أما ممارسة الخير والصدق وكل ما يرتبط بالأخلاق والقيم فهو جمال معنوي، وهو أعمق في المعنى ويحتاج إلى أنفس متزنة لكي تشعر به وتمارسه.
للحديث بقية
حفظ الله شعوبنا العربية