تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

بيلوسي، والمدرسة الواقعية الهجومية

يوسف عوض العازمي

“القوة هي كل شيء”

(جون ميرشايمر)

كتم العالم أنفاسه وهو يتابع طائرة رئيس مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، وهي تشق طريقها عبر السماء، متّجه إلى تايوان، على طريقة استعراض القوة.

حيث قامت بيلوسي ورغم زخم التصريحات الصينية المهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور، لتحطّ طائرتها بسلام في تايبيه (عاصمة تايوان)، ثم تكتفي الصين باحتجاج شديد اللهجة، وتطلب من دول العالم الأول والثالث والعاشر التضامن معها.

بعد ذلك، وفي حركات سينمائية، تقوم الصين بمناورات عسكرية ضخمة على حدود تايوان، على طريقة “نحن هنا”، وتقوم الولايات المتحدة وعلى سبيل ذرّ الرماد في العيون بإطلاق تصريحات تؤيّد فيه وحدة الصين، وكوميديا تختلط بالتراجيديا، وسمك لبن تمر هندي كما يقول المثل العربي الشهير.

إحدى اشهر الحكايات الشعبية في بلاد العرب تقول بما معنى: أن الرجل الذي يتحدث دوماً للناس بأنه سيتزوج زوجة ثانية (أي يعدد بالزوجات) سيذهب حديثه هباءً منثوراً، وسيُدفن في قبره وهو بالكاد يملك زوجته الأصلية.

أي أن القضية قضية قوة، القوة هي التي تحكم العالم، علينا وضع المثاليات جانباً، ونتحدث بصراحة الصراحة، وصراحة الصراحة أن من يملك العلوم والآلة العسكرية المتطورة الفعالة والنفوذ المالي والإقتصادي هو من يكتب الرقم الذي يشاء، ويضع الطابوقة فوق أيّ حائط.

 نهاية الأمر وليست النهاية النهائية، بأن ما جرى ليس صدفة، وبأن قائد طائرة السيدة بيلوسي، لم يتّجه نحو مطار تايبيه إلا وهو يعلم تماماً أن الطريق ممهدة، ومعبدة، وجاهزة.

في إدارة العلاقات الدولية، السطر الأول هو القوة، هل استوعبت ياعزيزي؟ القوة، ثم القوة.

المبادئ والقيم، عدم التدخل في شؤون الدول، هذه صفحات تُدرّس لطلبة العلوم السياسية، وعلى أرض الواقع نفوذ القوة هو من يحدد المبادئ والقيم وعدم التدخل وحتى النظريات السياسية تؤكد على القوة، ونزعة القوة، و حيوية ومرونة من بيده القوة، هل تعتقد بأني أحدثك عن حلبة مصارعة؟ قد يكون ذلك مع فارق التشبيه.

أيّ طالب علوم سياسية سيدرس بالتأكيد نظريات منظِّر مدرسة الواقعية الهجومية الأمريكي جون ميرشايمر، الذي يعتبر  نفسه شخصاً يفكِّر بمنطق القرن التاسع عشر الذي شهد احتدام الصراع بين القوى الأوروبية، وهو واقعيّ جداً، ويؤكد على استلام المدرسة الواقعية الهجومية منافذ البيع على جبهات العالم بأسره.

 ثمة من يلمّح بأن ما جرى في تايبيه أشبه برسالة مبطنة لروسيا وللأحداث في أوكرانيا، وذلك ممكن، لم لا؟
لا ننسى، فقد خرجت عدة سفن محملة بالقمح الثمين هذه الأيام من موانئ أوكرانية نحو عدة دول ومنها لبنان الذي يعاني شعبه للحصول على ربطة خبز.

 منذ زمن لم أكتب عن السياسة، رغم أن تخصّصي في التاريح والعلوم السياسية، إنما يبدو أن السياسة تلاحقنا كما تلاحق عقدة القوة فلاديمير بوتين.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights