بلدة العراقي بولاية عبري
عبري / العمانية
بلدة “العراقي” في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة تقع على بعد ٨ كم من مركز الولاية، وهي مزيج بين العراقة والأصالة والحداثة، لها إرث تاريخي هندسي موغِلٌ في القِدَم سطره الآباء والأجداد عبر حقب سالفة من الأزمنة تظهر واضحة في روعة مبانيها القديمة متمثلة في حصن العراقي ببرجيه المبني من الجص والطين وحاراتها وبيوتها القديمة.
وبلدة العراقي من الأسماء الدالة على التاريخ العريق الذي سماه الآباء والأجداد وبقيت معالمه إلى وقتنا الحالي دلالة على عمق الارث الثقافي الأصيل، واختلف الكثيرون حول أصل تسمية البلدة بهذا الاسم لكن الأغلب رجحوا سبب التسمية بالعراقي (بفتح العين) إلى قدم الموروثات التي تتميز بها البلدة، من عراقة الأمكنة والمواقع الموجودة بها، ويقال أيضًا إن التسمية جاءت نسبة إلى رجل جاء من العراق ونصب خيمته في هذه البقعة الفسيحة وسميت بمنطقة العِراقي (بكسر العين)، لكن الأرجح في التسميتين هو (العَراقي) بفتح العين ، ولعل ترجيح ذلك يرجع الى البيوت القديمة والحارات والمحلات وسوق البلدة القديم.
وحظي حصن العراقي باهتمام كبير من وزارة التراث والثقافة، حيث تم ترميمه عام 2010 م وأصبح الْيَوْمَ بحلة جديدة، حيث يعود تاريخ بنائه إلى ما قبل الإسلام، لكن البرجين اللذين ينفرد بهما الحصن عن بقية الحصون يعودان إلى أكثر من 200 سنة مضت، أحدهما مبني من الجص بعلو عشرة طوابق والآخر من الطين.
ويجاور حصن البلدة سوق العراقي القديم وجامع الإمام جابر بن زيد، ومدرسة للقرآن الكريم، وشريعة العراقي، وبه بئران وغرف كبيرة مثل غرفة بيت الجص (الغرابية) وغرفة بيت الحديث، وتعتبر “القصبة” أحد معالم الحصن وبها بيوت وغرف وسبلة تسمى سبلة الامام وسبلة أخرى تسمى سبلة القلة خارج الحصن.
وكان سوق العراقي لفترة قريبة حتى منتصف الثمانينات ذا شهرة واسعة لسنوات عديدة حيث يعد من أشهر أسواق محافظة الظاهرة، وكان مقصدًا تجاريا للأهالي والزائرين والتجار من خلال تنوع المعروضات والسلع والبضائع ومجالات المعاملات التجارية المختلفة والمناداة، وحلقات بيع الأغنام والابقار وغيرها.
واليوم لم يتبق من السوق سوى محلات طينية قديمة تحكي لجيل الحاضر والمستقبل ما كان عليه واقع حال سوق العراقي في سنوات مضت، سطرت معالم من المكنون والإرث التليد للبلدة، وقام بعض ملاك المحلات القديمة بإعادة بنائها وتم فتح البعض منها للأغراض التجارية.
والمتجول بين جنبات بلدة العراقي يمعن النظر مباشرة في حصنها القديم وحارة الهوامل، ومن جهة اليسار باب الصباح المبني من الجص، وما ان يقطع بضع خطوات بقدميه الا وتقابله قنوات فلج العراقي قريبًا من جامع الامام جابر بن زيد، حيث النخيل الباسقات التي تعانق السماء.
ومن الجهة الغربية لسوق العراقي القديم يوجد معلم آخر من معالم بلدة العراقي، وهي حارة (ورى) وهي عبارة عن حارة سكنية قديمة تحتوي على أكثر من عشرين بيتًا طينيًا قديمًا كأنها بيت واحد بالرغم من مساحتها الشاسعة كون منازلها لا تحدها حدود او ارتدادات بل يفصل بين كل بيت سور البيت المجاور.
وكذلك توجد بالبلدة حارة (المعمورة القديمة) فالأبواب والنوافذ القديمة تبرز أن هذه البيوت كانت يومًا ما تعج بالحياة، حياة آباء وأجداد رحلوا عن عالمنا، وبقيت هذه المعالم تذكارا لأجيال الْيَوْمَ حاضرًا ومستقبلًا.
وتتميز بلدة العراقي بطبيعة خضراء جميلة تحيط بها وتتوسط أرجاءها، حيث البساتين والممرات المعبدة التي تشق وتمر بين واحات النخيل والموز والليمون والمانجو وغيرها من الأشجار والمحاصيل الزراعية التي حبا الله به هذه البلدة.
كما ان عودة الحياة لفلج البلدة قد أعادت بفضل الله تعالى الحياة للنباتات في الضواحي والبساتين الداخلية بأرجاء البلدة المختلفة، وأصبحت بساتينها نضرة مخضرة، ومما يميز طبيعة بلدة العراقي اهتمام الأهالي بحرفة الزراعة وحرصهم وسعيهم المتواصل للمحافظة على هذه الحرفة كحرفة متوارثة تعود عليهم وعلى أسرهم بالخير العميم والفائدة المرجوة.
وحظيت بلدة (العراقي) في عصر النهضة المباركة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله ورعاه- بمنجزات تنموية شاملة من طرق داخلية معبدة مع الإنارة بجانب خدمات الكهرباء والهاتف والمياه والمدارس وجامع جديد بـ “ظهرة العراقي”.
ومع الحركة العمرانية التي تشهدها البلدة والحركة التجارية النشطة جاء تنفيذ ازدواجية طريق “عبري – مسكن” الذي يمر على البلدة ليزيد من روعة جمالها ويُسهم في تشجيع جوانبها السياحية والاقتصادية والاجتماعية.
كما أن الأهالي يولون الاهتمام بالتعاون والتكاتف فيما بينهم خدمة للبلدة وأهلها، فقد ساهم الأهالي وبجهودهم الذاتية في إنجاز جملة من المشاريع الخدمية ببلدتهم.