الوعي قلب فقيه
زينب نبيل العمّرية
في رحلتنا في هذه الحياة نمرّ على الأحداث والمواقف كباحثين، نفهم الغاية والسبب، ونخزّن المعرفة في عقولنا ككنز ثمين، ونتباهى بالمعرفة كالتباهي بلبس أنيق جديد، ونتعلّم؛ لأننا نُدرك أهميّة العلم والتعلّم، ولكن الباحث الحاذق من يتأمل في الأحداث ويتوغّل في أدق تفاصيلها؛ ليصل إلى جوهر الشيء وأصله، ويصل إلى سبب تخزين المعرفة متأملًا في رحلة تحصيل العلم، فيفهم المغزى من كل خطوة، ويربط ما تفرّق نتيجة وهم الانفصال والإعجاب بالتصنيف، ليخرج أخيرًا من تلك الرحلة مدركًا غاية الغاية، ومتلذذًا بكل دقيقة مرّت عليه؛ لأنه توصّل إلى الجوهر الفرد، الذي بدوره يُحيي قلب الباحث.
المعرفة غير الوعي، المعرفة هي الجانب النظريّ، والوعي هو التطبيق، ولا ينتج الوعي من غير تأمل دقيق نابع من داخل النفس، والأسف كل الأسف للمؤسسات التعليميّة التي تهتم بتلقين الطلبة المعرفة النظريّة البحتة، وتتناسى ضرورة قياس مستوى الوعي والإدراك لديهم، أما عن النتيجة، فلا شكّ أنها ظهرت جليًّا في بعض أبناء هذا الجيل، الذي يفهم ويعمل ولا يعي، الذي وُضع له مساره الواضح الذي ينبغي له أن يسير عليه، ولا يُفكّر حتى في السؤال: من رسم هذا المسار؟ فطالما أن الهدف موجود، والنتيجة مضمون نجاحها، فلا بأس بالسير مع الشعور بالاعتياد، دون شعور المغامرة والخوف.
أما عن وجود الهدف، فيخاف الإنسان كل الخوف من انعدام الهدف في حياته-أي الفراغ- وما إن ينتهي من إنجاز هدف ما حتى ينتقل إلى غيره مباشرة، أو أنه يحاول جاهدًا يبحث عن هدف آخر؛ حتى يسعى إلى تحقيقه. وأما عن الاعتياد، فهو شبح قبيح، يظهر عن زوال الدهشة عند رؤية الأشياء، سواء كانت الجديدة أو حتى القديمة، ويعتاد المرء الأشياء عندما يحاول أن يكون عاقلًا، أو أن يتصنّع الحكمة، الدهشة تحوّل الشيخ الكبير طفلًا، وتنفخ الروح في الأشياء، فتبثّ فيها الحياة، ألا يُلاحظ أن الطفل يندهش عند ملاحظته الأشياء –وخصوصًا لأول مرة- أكثر من البالغين، يُمكن أن نعزي السبب إلى روح الطفل الحديثة، التي لم تعتد الأشياء، إذ أن البالغين وبتكرار ملاحظتهم يعتادون فلا شيء يثير الدهشة لديهم، مما يؤدي إلى غياب شعور الامتنان، كما أن الدهشة تُعرِّف المرء إلى موجد الوجود، فتبعث فيه الحب والرضا.
أختم بقولي إن الوعي صاحب المعرفة، وأصله التأمل، والأخير غذاء العقل والقلب السليمين، اللذين يتحدان فيوصلا الإنسان إلى الحكمة، ويعي المرء حين يفكّر بقلبه، فالوعي قلبٌ فقيه.