وجهك مدائن عشق
شريفة بنت راشد القطيطية
المدينة فارغة منذ ليلة الأمس، ونوافذها ثملة لا ترى إلا الضباب.. تتولد في مخيلتي أنثر جوا صحوا، وأرسل قوافل الرياحين تدق الأبواب، وتصحي الجاثمين خلف أروقة الدخان.. ليكن أول النهار حاضرا بين يدي الآن.
لتكن أول نقطة هي أنت.. أرسم ملامحك على جدران قلبي، وأبدأ بزخرفتك.. وأذهب للقلب أعبؤه بالخفقات الحالمة حتى يزهر بها تشرين.. تفاصيلك تدخل في الذات رغم ازدحام الدقائق، وتشمل عناقيد سعادة وأسطول هيام.. أتمنى أن أقف بين يدي كأول النهار، وتعبث بنا سويا كي نتطابق كخسوف، وأشملك منابع ذكرى متوردة الخدين.. عامرية كليلى، يتوهج من مناكبها الحسن، وتثمر عبقا وعشقا.. متورط أنت الٱآن كونك حرا يبحث عنه المحتلون. لتكن أنت أول المتصدرين قائمتي، تقطر شهدا من مطلع الفجر، وتزف الشمس لتعد لك الفطور.. ليكن كل النهار تحت إمرتك، ليظل الجمال على هيئة وجهك لا يتغير.. لتكن محاربا يعد أنفاسه ملحمة انتصار، ويهز بها عرش السلطان.
الحياة بريئة، نحن المجرمون.. نسرق لحظات حلوة، ونعذب بها قلوبنا بالشوق.. ونأتي بالمشاعر ونقتلها ولهًا.. ونعبئ جيوبنا بالشوق. فأين سلطان الحب الذي يخون ويتركنا أشلاء ممزقة؟! ألا يرحم؟! وأين الحبيب الذي يستشهد فرحا في لحظة انبعات تهطل ليغرق رغبة العشق بين يديه ألا يفهم؟! يترك المحتلون بصمتهم على جدار قلبك، ويمسحون الحب بخرقة عطرة ليودعونك بلطف؛ كي تموت ببطء.. المحتلون لا يمزحون في الإجرام، ومتخصصون لكآبة وعزلة. أصنع من نكهاتك جسدا طاغيا، وأتحلى بوجوده بين شغفي ورغبتي.. لتكن أول الأعداد الزوجية التي يطمع لها المحتلون، وليكن وجهك مدائن العشق التي تفسرت منها الأحلام، وتلهفت لها أميرات ذات حسن.. لوجهك عناقيد عنب يقطر منها نبيذ حياة، وحبات كرز يهطل عرقها مزركش كالأصيل ينهل منها الطغاة.. العابرون يتوقفون عند شفتيك، ويلعقون خدرا من زهر ويرحلون، وأنا أتوقف بينهما للغزل.. أتعرف كم حرف توسد ليلك؟! وكم آه تعلق بوجدك؟! وكم حزن قررت أن أقتل؟! لوجهك عنفوان يقابلني وجها لوجه، ويطلب مني الاستسلام.. ليكن أول حرف من اسمك يمنحني الهواء، وتثمر النكهات جسدك المرجو منه السند والعون. أبعثر وجداني حين أبحث عنك وأتحداك؛ فأنا المحتل الأنيق الذي يشغل بالك، ولن تترك آثاره في قلبك تذهب سدى.. لديك عشرون دقيقة لترفع رايتك البيضاء، وتخطو خمسين خطوة نحوي.. وسأغمض عيني، وأعد حتى تصحيني بقبلة اعتذار لأنتعش.. هنا بعثرة الحب خالدة، فلديها ما يوجد لديه، العفو والغفران.. والحب لن يموت؛ لأن طقوسه أنا، ذلك المحتل الذي تحبه، وذلك العمق الذي غرقت فيه.. لديك ما يكفي لتعتذر، وأقلدك وسام الاختباء تحت راية بيضاء وعشق أسود.. يمكنك الآن الصمود والتحرك نحوي حين تموت الأسلحة، ويغدر أعداؤك بالحصان.. تأكد أنني قتلت أعداءك ومنحت لك شرف الامتنان.. يمكنك الآن أن تحب على طريقة السلطان، يحب الجواري جميعا، ولديه أنثاه الوحيدة متوجة وغالية.. هيا لم يتبقى سوى دقيقتان.