حينما تعيش مع الطبيعة!
خلفان بن ناصر الرواحي
إنها لحظات متميزة، ما أجملها وأنت تعيشها في أحضان جمال الطبيعة الرباني! فالحياة مع الطبيعة بأسرارها الخفية والمتناغمة مع من يتعايش معها لها ذوقها المتفرد! فجمال روعة المكان والمناظر الخلابة التي تأسر القلوب، وتحرك الجنان؛ يدفعها لتحريك القلم ليخط حروفه ليعيش تلك اللحظة، محاولًا اغتنام الفرصة في التعبير عن ما يراه ويدغدغ خواطره الجياشة للتعبير بمفردات السكون والخطاب اللامحسوس المتبادل.
يا لسحر لوحة الطبيعة! وما أسعد اللحظات التي تعيشها في سكينة، وبعيدًا عن صخب الحياة المدنية! تشعر وكأنّ ما حولك حتى وإن كان جمادًا كأنه يخاطبك ويرحب بك إن كنت بادلته التحايا والشعور بالأمان والاطمئنان، وكأنه يرحب بقدومك، ويعيش معك تلك اللحظة!
فلنأخذ على سبيل المثال من تلك اللحظات؛ الشعور بتحمل الأمانة الخاصة والعامة. فعندما ترى الأشجار تتحرك أغصانها في هدوء وسكينة؛ فإنك تشعر بأنها تقول لك: “إن الحياة تحتاج إلى روية وصبر، وما أحمله على جذعي من أغصان وأوراق وثمار هو أمانة كُلِّفت بها فعليّ المحافظة عليها، حتى في ظل الظروف القاسية والعصية عند اشتداد الرياح، أو شدة الجفاف، لكنني أعيش لحظاتي الجميلة في وطني وترابي الذي أعيش فيه…!”. وكذلك هو حال السماء؛ فهي تحمل الكواكب والنجوم، ولا يقل حال البحار عن السماء في تحمل الأمانة! ولا الأرض، ولا العيون، ولا الأنهار!
كذلك فإن الطبيعة هي مكان مناسب للاسترخاء والسكون، وتفريغ الشحنات السالبة من أكدار الحياة ومنغصاتها، فتفاعلك مع مفردات اللوحة المتكاملة في التشكيل الأساس بدون إضافة من فرشاة الرسامين؛ فإنك تجد المتعة وراحة البال، وخصوصًا إن كانت اللوحة الطبيعية ممتزجة بالعديد من مفردات الطبيعة الساحرة. فتحليق الطيور في السماء يرشدك أن تُحلّق معها بحروفك دون قيود، وتخرج الشعور الخفي وتسرد كلماتك، والنمل يوحي إليك أهمية البحث عن المعلومة من أمهات الكتب، واختزان تراكم المعلومات التي تساعدك على الاستفادة منها وقت الحاجة!. إنها الطبيعة الساحرة! بأشجارها، ببحارها، بأنهارها، بعيونها، بجبالها، وسهولها، وسمائها، وكل ما يدبّ على الأرض، أو يحلّق في السماء وتتزين به من طيور ونجوم وكواكب؛ فيا لروعة مخلوقات الله!
هكذا هو شعوري حين أكون منفردًا في ساحات مفتوحة وبعيدة عن الصخب، وعندما يكون هناك متسعٌ من الوقت للعزلة والتفرغ لأعيشُ مع نفسي، كأنني أتكلم حقًا مع كل شيءٍ ويبادلني الشعور المنبثق من ينابيع القلب الطاهر النقي، وأتخيل بأن لكل شيء حولي قلبًا ينبض ولسان ناطقٌ يستطيع التعبير عن نفسه ورأيه! بالرغم أن الواقع لا يصدقه عاقل، ولا يمكن تقبله، وربما من يدّعي ذلك يُوصف بالهذيان أو فاقدًا للعقل، والمنطق لا يقبله! لكنها هي الحقيقة التي أعيشها في كل مكان، ولا يقيّدني فيها ما لا يصدقه غيري أو يتقبله!
فمن عاش واغتنم تلك الفرصة له حظه ونصيبه من الشعور بنفس الشعور الذي أصابني من سهم سحر جمال الطبيعة؛ فلنغتنم تلك اللحظات السعيدة ونعبّر بما نراه بقلوبنا، وتتفاعل معه جوارحنا، ولو بالهمس مع ذاتنا إن كان ذلك غير متقبل ومقبول من الطرف الآخر.