التسول، المرض والعلاج
عصام بن راشد المغيزوي
في عالم يسعى للتطور ويبحث عن السبل التي قد تحقق له قفزات هائلة نحو تحقيق أهدافه، تظهر بعض العثرات التي تقف كحجر عثرة في سبيل تقدمه وتطوره، ومن هذه التحديات تحدي إيجاد حل للقضاء على آفة التسول، فالتسول آفة تقتات على أجساد المجتمعات التي تسعى لتحويل أحلامها إلى واقع ملموس. ففي مجتمع خُطت قوانينه؛ لتحافظ على كرامة الإنسان ولتوفر له سبل العيش الكريم فإن تسرب بعض العادات الدخيلة كعادة التسول أمر يدق ناقوس الخطر في كافة أرجاء المجتمع لما لهذه الآفة من أثار سلبية على المجتمع.
يُعرف التسول بأنه: اللجوء لطلب الطعام أو المال من الآخرين، وعادة ما تتم هذه العملية في الأماكن العامة. والمتسول هو: ذلك الفرد الذي يقوم بطلب العون دون وجه حق، ويسعى للحصول على تلك المساعدات دون أن يبذل أي جهد يذكر.
تُصنف طرق التسول إلى طريقتين رئيسيتين وهما: الطريقة المباشرة، والطريقة الغير مباشرة. في الطريقة المباشرة يسعى مرتكب هذا الفعل لجمع أكبر قدر من المال؛ وذلك عن طريق طلب يد المساعدة من الأشخاص الموجودين في الأماكن العامة. أما في الطريقة الغير مباشرة فيقوم المتسول بإجبار الأشخاص على تقديم المساعدة وذلك عن طريق تقديم خدمات لا يحتاجونها في ذلك الوقت، كقيامهم بغسيل مركبات الآخرين دون أن يطلب منهم ذلك. والمتسولون هم الفئة الأكثر ضعفًا في المجتمع، وغالبًا ما يتعرضون لمخاطر عدة بسبب افتقارهم لأبسط متطلبات العيش كالسكن والطعام. إذ تشير الدراسات الأخيرة أن 80% من المتسولين هم من المشردين. وفي دراسة أجريت في جامعة جلاسكو البريطانية، أظهرت نتائج الدراسة أن التسول عادة ما يقترن بالجشع، فبعض المتسولين لا يقومون بالتسول لافتقارهم للطعام أو السكن بل لشراء بعض الممنوعات كالكحول أو المخدرات. كما أفضت الدراسة إلى أن معظم أفراد هذه الفئة هم في الحقيقة أشخاص ينتمون إلى عائلات تعاني من تعاطي المخدرات والبطالة ونقص حاد في تقدير الذات، كما أثبتت الدراسة أن أغلب المتسولين تعرضوا للكثير من الإهانات والمضايقات من قبل الآخرين.
عادةً ما يستغل المتسولون العديد من الظروف للقيام بالتسول ومن هذه الأمور الحاجة للغذاء والمأوى. يضاف إلى ذلك استخدام بعض الأفراد الغطاء الديني للقيام بالتسول؛ وذلك لعلمهم بأن كل الأديان تدعو إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين. كما أن بعض من يقومون بهذا الفعل يستغلون الأمراض النفسية والعقلية والأطفال لإدراكهم بقدرة الأمراض والأطفال على جذب عاطفة الآخرين بسهولة.
وفي مجتمع متكاتف ومتعاون اجتماعيًا فإن وجود عادة التسول أمر يدعو إلى طرح العديد من التساؤلات حول صرامة تطبيق العقوبات والقوانين التي تتصدى لهذه الظاهرة، فالتسول جريمة وعمل محرم إذا ما أُريد منها الكسب السريع، ولا يمكن اعتبار ظروف المعيشة الصعبة أو الفقر أو غيرها من الظروف كمبررات لارتكاب هذه العادة، فالعمل في أي مهنة شريفة خير من طلب يد المساعدة، وهنا لابد أن نتذكر موقف الصحابة الكرام حينما قدموا إلى المدينة المنورة؛ حيث رفضوا أن تقدم المساعدة لهم من قبل الأنصار رغم حاجتهم لها؛ بسبب تركهم لكل أموالهم في مكة، بل أن أول ما سألوا عنه كان عن مكان السوق، فذهبوا مباشرة للعمل.
لقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على العمل وعدم طلب يد المساعدة في أكثر من موضع، ومنها ما ورد عنه عليه أفضل الصلاة والتسليم:” لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه”(1). كما أثنى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على الذين يأكلون من عمل أيديهم، فقال:” ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود (عليه السلام)، كان يأكل من عمل يده”(2). فخير طعام المرء هو طعام يسعى لكسبه بعرق جبينه. كما أن المولى عزوجل حثنا على البحث عن الرزق في أكثر من موضع في كتابه العزيز، ومنها ما ورد في الآية الخامسة عشر من سورة الملك؛ حيث قال المولى عزوجل مخاطبًا عباده:” هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًا فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ”.
لقد حبا الله تبارك وتعالى بلدنا الحبيبة بالعديد من مصادر الرزق، لكن واقع التسول المؤسف الذي نعايشه يضع أمامنا حتمية التعامل مع هذه الظاهرة. فمع انتشار هذه الآفة بين المواطنين والمقيمين، ومع تمادي بعض المتسولين في طرق طلبهم للمساعدة كسعيهم للوصول إلى أبواب المنازل أو دخول البيوت الأمر الذي له مخاطر أمنية كثيرة وكبيرة، فربما تحدث حالات اعتداء أو سرقة أو غيرها من الحوادث التي لا تحمد عقباها.
لقد سعت الحكومة الرشيدة للحد من توسع نطاق هذه الظاهرة وذلك بسن مجموعة من القوانين. فجاءت المادة 297 في قانون الجزاء العماني في الفصل الثالث من الباب الثامن، وعاقبت كل ما يقوم بفعل التسول بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد سنة وبغرامة لا تقل عن 50 ريال ولا تزيد عن 100 ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذكرت المادة أن من يقوم بالتسول مرة أخرى سيتعرض لعقوبة مضاعفة، لتصل إلى السجن سنتين كحد أدنى. كما أوضحت المادة أن للمحكمة الحق بمصادرة كل ما يمتلكه المتسول من أموال وهذا ما ذكر نصًا ” وللمحكمة مصادرة ما يكون معه من أموال عند ضبطه”(3). كما يحق للمحكمة إبعاد الفرد عن الدولة إذا كان أجنبيًا، ولكن هذا الحكم يبقى حكمًا تقديريًا وليس إلزاميًا. كما أن القانون احتوى على لفتة إنسانية رائعة وهي: عدم معاقبة من ثبت أنه كان مضطرًا أو عاجزًا عن الكسب ولم يكن له مصدر داخل. فالقانون لم يشرع فقط للمعاقبة والترهيب بل هو تهذيب لكل من يخرج عن نظام الدولة، وتطبيق روح القانون هو ما تسعى له القوانين العمانية. نظرًا للجرائم التي قد تترتب على ظاهرة التسول كجريمة الإتجار بالبشر، فإننا نجد أن المادة (298) قد قامت بزيادة العقوبة لتكون سجنًا من 3 أشهر كحد أدنى و3 سنوات كحد أقصى وبغرامة لا تقل عن 50 ريال ولا تزيد عن 100 ريال عماني لكل من استخدم حدثًا أو سلمه لغيره بقصد التسول (4).
يتضح لنا جليًا أن ظاهرة التسول آفة خطيرة تضر باستقرار المجتمعات لما لها من عواقب وخيمة على سلامة الدول، والتي تظهر عادة على شكل عصابات منظمة تسعى لكسب المال بطرق غير مشروعة. إن تضافر جهود الحكومة مع جهود الشعب للقضاء على هذه الظاهرة؛ وذلك بتغليظ العقوبات والتبليغ عن أي حالات تسول ستكون الخطوة الأولى للقضاء على هذه الآفة. كما لابد من السعي لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي؛ وذلك عن طريق حث مؤسسات الدولة والأفراد القادرين على التبرع بالمسارعة للتبرع للعاجزين عن العمل أو الأيتام، إضافة إلى ذلك لابد من دعوة الناس للعمل وتشجيعهم للبحث عن مصادر الكسب الحلال. دمتم ودامت سلطنتنا الحبيبة بخير.
____________________
(1) صحيح البخاري.
(2) صحيح البخاري.
(3) قانون الجزاء العماني.
(4) قانون الجزاء العماني.