ربما بكوكب آخر
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
أنعم الخالق علينا بنعم كثيرة، ومن أعظم هذه النعم نعمة الإسلام، فهو دين شامل لكل جوانب الحياة المختلفة، هدفه الحقيقي إسعاد البشرية وإنارة الطريق الذي يجب أن يسلكوه في هذه الحياة، وقد رسم الإسلام منهجا وطريقا للحياة التي يجب أن نعيشها بما يحقق الاستقرار لنا وللمجتمع، ويحقق حياة كريمة للجميع، فهل تصورت يوما ما التركيبة الاجتماعية للمجتمع الذي تريد أن تعيش فيه؟ وما طبيعة البشر المكون له؟ وما الدور الذي سيقوم به كل فرد من أفراد هذا المجتمع؟ وما الخدمات التي ستكون متوفرة؟ وما مستوى المعيشة التي سيعيشها أفراده؟ من السهل جدا أن تُجيب عن هذه الأسئلة وتتخيل هذا المجتمع وأنت تحلم فقط؛ لأنه لا يوجد مجتمع مثالي بهذا الكون الوسيع تتوفر به المواصفات والخصائص ومستويات المعيشة التي نرغب بها، حتى المجتمع الذي عاش فيه أشرف خلق الله سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مثاليا، كل المجتمعات بها الفقراء والأغنياء واللصوص والمفكرون والأدباء والمتفائلون والمتشائمون وغيرهم، ولا يمكن لأي فرد من أفراد المجتمع أن يُقدم أو يُؤخر في ذلك، بل يمكنه أن يكون فردا صالحًا بالمجتمع، ويعتني به وبمن فيه، ويحافظ عليه وعلى مكوناته وخيراته، ويتعامل مع أفراده بما يرضي الله ويرضي نفسه، وعليه يكون قدوة صالحة لغيره من المواطنين.
بعضهم يعتقد بأن المجتمع المثالي هو المجتمع الخالي من العيوب والأخطاء، مجتمع يعيشه الصادقون من البشر فقط، مجتمع لا يوجد فقير به، مجتمع يسوده الحب بين جميع أطيافه، وللأسف هذا التصور خاطئ، ولا يوجد مجتمع بهذه الصورة وهذه الصفات الكمالية، من الطبيعي أن يكون في كل مجتمع من مجتمعات العالم أطياف وأشكال مختلفة من البشر، سلوكيات متنوعة، وتصرفات مختلفة، لا يمكن أن تكون هناك مجتمعات مثالية بشكل تام وكامل، ومن يطالب بهذا فلديه نظرة قاصرة، المجتمعات المثالية توجد بخيال الفلاسفة القدماء مثل أرسطو وأفلاطون، فهي مدينة غير موجودة بالواقع، ولكنها موجودة كمسمى فقط؛ وذلك بسبب الإنسان وتصرفاته.
إصلاح المجتمع لا يتم عن طريق عرض عيوبه والتركيز عليها وإن كانت صغيرة، ولوم الآخرين وإلقاء التهم عليهم، وإهمال الجانب الإيجابي والمشرق منه، وتجاهل ما يتم إنجازه، إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح النفس، والذات، من خلال السلوك والتفكير والتكاتف والتعاون بين أفراده، ومراعاة حقوق الآخرين واحترامها، فإن كنت -عزيزي القارئ- من الأشخاص الذين يحبون أن يركزوا على كل صغيرة في هذا المجتمع، وينتقدوا كل شيء فيه فلن نصل لمجتمع قريب من المثالية، وإن كنت تبحث عن مجتمع فاضل ومثالي حسب ما تريد وتتصور فيمكنك أن تبحث عن ذلك بكوكب آخر غير الأرض، نحن نحتاج لمجتمع يعيش فيه المواطن بكرامة وعزة، ويحصل على جميع حقوقه، لذا يجب علينا جميعا أن نصلح أنفسنا، ونركز على الوعي والإخلاص لدينا قبل أن نصرخ وننادي بالمثالية، وأن نبتعد عن مراقبة الناس وإبراز عيوبهم والتركيز عليها.