2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

قصصٌ عن القدر والحذر

أحمد بن سليم الحراصي

لعلك سمعت يوما من قال لك (الحذر واجب) أو أنك فعلا استخدمتها ذات مرة وتكررت معك العديد من المرات، فهل هذا له شأن في تغيير القدر، فكما كان الدعاء هو من يغير القدر، فالحذر الشديد هو الحرص على سلامتك والحفاظ على روحك ولذا أرى بأن الحذر قادرٌ على تغيير القدر.

يخلط الكثير من الناس ما بين القدر والحذر فيقول لك أحدهم بأن الحذر لا علاقة له بالقدر وأن قدرك مكتوب في صفحة الأقدار بأنك ستصاب بمرض ما أو بوعكة صحية أو بموت في حادث مروري ، ولكن الإنسان يا عزيزي يأخذ بالأسباب وكما قال الشاعر: من لم يمت بالسيف مات بمثله، تعددت الأسباب والموت واحد.

فقد يكون الإنسان نفسه سبب هلاكه ودمار حياته بالدخول في متاهات لا قِبلَ له فيها ولم تكن له الشجاعة الكافية في مواجهتها فلقي حتفه، ولديَّ هنا بعض القصص الواقعية التي أعرف أبطالها بنفسي إلا قصة واحدة وجميعنا يعرفها، كلها اندرجت في أنهم لم يكونوا حذرين للتملص والحفاظ على الروح فكتبوا أقدارهم بأيديهم.

القصة الأولى:
عامل وافد عرفته كان يعمل في نفس الشركة التي أعمل فيها، وكان يعمل بنظام العمل بالعقود، رجلٌ طيبٌ إلى أبسط الحدود، لم يكن مسلما، كانت توجد بيننا محادثات طيبة ودائما ما أراه بشوشا رغم المعاناة التي كان يعانيها؛فتأخير صرف الرواتب له من الشركة المتعاقد معها بعضها قد يستغرق شهرين إلى ثلاثة أشهر من جهة، والعمل لمدة 12 ساعة يوميا من جهة أخرى، كلها أمورٌ كانت بالنسبة له سهلة وستنفرج يومًا؛ لأنه كان على يقين تام بأن حقه سيأخذه كاملًا قبل رحيله إلى بلده، لكن مما يؤسف أن هذا الرجل الطيب مات منتحرًا، فلعلك تظن الآن مثل ما ظننت أنا ساعة سماع خبر انتحاره أنه مات بسبب تأخير صرف رواتبه وضيق الوقت لديه واستغراق جل وقته في العمل، ولكن لم يكن هذا هو السبب بل كان هناك سببٌ آخر ، فقد انتحر في غرفته السكنية ومات شانقا نفسه بحبل تدلى من مروحة السقف، وحينما سألت رفاقه عن سبب موته قيل لي: بأنه كان يعشق فتاة في بلده فتم تزويجها لرجل آخر ولم يحتمل الصدمة فأقدم على الانتحار. لقد كتب نهايته بنفسه من أجل فتاة، فأنا لا أصدق حقيقة ما يقال في الأفلام أو التاريخ المزيف بأن ( من العشق ما قتل) فهو يقتل أولئك الذين ليس لديهم هدف في الحياة والذين يصدقون تفاهات الأفلام والمسلسلات وتزييف التاريخ وأولئك الذين لا إيمان في قلوبهم وتسبقهم العاطفة فتقضي على حياتهم.

القصة الثانية:
لا تكن واثقا من نفسك دائما فقد تكون مخطئا في ثقة ما، فالثقة لشيء دون شيء آخر؛ فقد تثق بنفسك في شيء أنت تستطيع أن تفعله ولكن لا يمكن أن تثق في كل شيء أنت تستطيع فعله، فقد تكون هناك أشياء تثق في فعلها وفق إمكانات وقد تكون هذه الإمكانات محدودة بحيث أنها لا تستطيع أن تسعفك في فعل شيء آخر تظن أنك فاعله بإمكاناتك هذه، وهذا ينطبق على الرجل الذي كان يسرع سرعة متهورة في الطريق تصل إلى 200كم/ساعة وعندما نصحناه بعدم السرعة لكي لا يجازف بحياته قال لنا: أنا أستطيع تفادي أي حادث مروري أمامي، كيف؟ فقط بتغيير وضعية كرسي السيارة الذي أركبه بسرعة مدهشة يعني أُنزل الكرسي وأُرجعه للخلف وأستلقي دون أن يصيبني خدش، ثم عرض لنا كيفية فعل هذه الطريقة ورأينا كم هو سريع في فعلها، وبعد أكثر من سبع سنوات على كلامه هذا تلقينا خبر وفاته في حادث سيارة، الأمر ببساطة هو أنه كان واثقا من نفسه بالثقة الزائدة عن إمكاناته فترك الحذر وأصابه القدر.

القصة الثالثة:
قد تصادفنا أجسام أشياء غريبة في الحياة، أشياء نراها لأول مرة فسواء عرفناها كتخمين أم لم نعرفها ليس هناك داعٍ للعبث بها أو بمكوناتها فقد لا نعلم ما بداخلها، ربما مواد كيميائية مشعة أو حارقة أو ربما مؤكسدة وربما مواد متفجرة فكل شيء جائز حينما يتعلق الأمر بالغرابة في الشيء ، فما رأينا من وفاة الطالبين اللذين حصلا على شيء غريب خلف مقر سكنهما فحملاها معهما في مقر سكنهما وأخذا يعبثا بها فانفجرت القنبلة لتودي بحياتهما، رحمهما الله وغفر لهما ولكن وكما شددت الشرطة على ذلك، كان عليهما الإبلاغ عنها ساعة وجودها ولم يكن هناك داعٍ للعبث بجسم غريب لا تعرف ما يخرج منه وما يدخل في مكوناته، لم يتوخا الحذر فكانت النتيجة مأساوية.

الحذر هو أن أقول لك: لا تغامر وتتبع ثقتك بنفسك فالنفس أمارة بالسوء ، الحذر هو أن أغير القدر فكل ما فعله هؤلاء كان قدر ولكن لم يكن هناك حذر، فقد استطاع الكثيرون في تغيير أقدارهم عندما اتخذوا من الحذر سلاحهم ، فقد تقول لي: أن من مات منتحرا من قمة جبل سحيق كان قدرا ، أقول لك: ألم يكن بإمكانه التوقف عن القفز فيكون حذرًا وبذلك يغير من قدره، فالسفينة إن لم يتم خرقها ، والغلام إن لم يتم قتله، والجدار إن لم يتم إقامته لتغيرت موازين القدر ولكن كان الحذر سباقًا قبل القدر فتغيرت الأمور قبل حدوث الكارثة ، فاللهم صبرا جميلا على ما لم نحط به خبرا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights