فيلم “بيت غوتشي” فرصةٌ مُهدَرة
شيخة الزهيميّة
تربّع فيلم “بيت غوتشي” عرش أكثر الأفلام شهرةً وعرضًا خلال عام 2021 الماضي، فيلم أمريكي أجنبي مُترجم، للمخرج ريدلي سكوت وأبطاله، صُنّفَ ضمن قائمة أفلام الجريمة، والإثارة، والدراما، وهو مستوحى من قصّة العائلة الأسطورية في مجال الأزياء، صاحبة دار الأزياء الأكثر شهرة في العالم (غوتشي)، عُرِض الفيلم في الرابع والعشرين من نوفمبر، في الولايات المتحدة الأمريكية.
يركز مخرج الفيلم على أحداث قصّة باتريسيا ريجياني التي أتت من عائلة متواضعة؛ لتتزوج من عائلة غوتشي، وكشف هدفها الأسمى في تدمير إرث العائلة، كما دار الفيلم حول أحداث تاريخية غامضة، وصراع أفراد الأسرة المالكة على ثروات الشركة الكبيرة، ومآلها المأساويّ.
“باتريسيا ريحياني” امرأة إيطالية شابّة، جميلة الطلعة والمظهر، تعمل لدى شركة نقلٍ صغيرة، تلتقي بفتى في إحدى الحفلات، شابّ يدرس القانون، وريث نصف أملاك دار الأزياء “غوتشي” التي يملكها والده رودولفو، يقعانِ في قصّة حُبٍّ مُقنّعة بقناع المصلحة، تسعى فيها باتريسيا للحصول على المال والمكانة، يعزم ماوريتسيو على الزواج منها، رغم تحذيرات والده، الذي كان يعي تمامًا أن هذه المرأة تسعى لثروة المال، وخير العائلة المالكة، لكنّه الحُبّ! هكذا بدأت أحداث الفيلم في عام 1978م.
يفّرق زواج الشابين بينهما وبين العائلة المالكة، وشركة غوتشي بشكل عام، فيخسر ماوريتسيو حياة الترف والبذخ، مقابل أن يحظى بباتريسيا، لكنّ باتريسيا لم تقف مكتوفة الأيدي حيال خسرانها لهدفها والغاية، بل أوجدت الحلول البديلة، فحملها بصغيرها كان سببًا في تقرّبها من العائلة وتسللها إليهم، تستمر الأحداث على هذا النهج إلى أن تستعيد باتريسيا للحياة مجاريها، ثم تعود لتتأزم وتنتهي بنهاية مأساوية غير متوقعة، تقضي فيها باتريسيا على حياة أفراد العائلة فيموتون تِباعا.
رغم الأحداث الواقعيّة للفيلم فإن المخرج ريدلي سكوت تناولها بطريقة غريبة جدا، فأظهر الانتقال المباشر للأحداث الجدّية الواقعة إلى جانب من الهزل الواضح، الذي لا مرونة فيه؛ حيث إنه من المؤسف جدًا هذا الالتفات الصادم في الأحداث، والذي بدوره يعود بشيء من السّلب على المشاهد، فربما يستحضر المُشاهد عواطفه وتوقعاته للمَشاهد اللاحقة، ولكن سُرعان ما يُصدم في حقيقته الهزلية التي لا تستحق كل ذلك الحماس على الإطلاق.
أمّا عن لغة الفيلم فكانت الإنجليزية، ذات لكنة إيطالية؛ حيث كانت تميل كثيرًا إلى الهزل، هذا ما أثّر نوعًا ما في واقعيّة القصّة، فاكتست الأحداث الجادّة بنوع من الهزل، أسهم في فشل إيصال الرسائل للمشاهد، فتارة يقع بين مشاعر الحزن، وتارات كثيرة تنقله إلى مساحات الفرح، فكان إحكام اللغة، واستخدام الإنجليزيّة الرسميّة هو الخيار الأنسب للحفاظ على القالب الدرامي الكوميدي.
يُذكر أن الفيلم مقتبس عن رواية لسارة جاي فوردن، وأسهم فيه كل من: ليدي غاغا، وآدم درايفر، جاريد ليتو، جيرمي أيرونز، جاك هيوستن، وريف كارني، وسلمى حايك، وآل باتشينو، وفي صناعته بقالبهِ المُختلف، الذي خرج عن الأسلوب التقليدي المعتاد للعرض، فأدخلوا عامل الصدمة، الذي كان مخاطرة كبيرة على مستوى الحفاظ على المقومات الرئيسة للسيناريو، فمثل هذه الشجاعة تستحق التحيّة والتقدير.
كما عبّر الفيلم عن تحولات كبيرة بين بطليّ الفيلم ماوريتسيو وباتريسيا، فانتقال العلاقة من الحبّ والغرام إلى الملل والكراهيّة، ومن الوفاء إلى الخيانة كانت تحتاج في تجسيدها إلى مشاهد كثيرة، بينما اكتفى أبطالها بمشاهد قليلة، ربما لم تشبع رغبة الجمهور المُشاهد وحاجته.
على الرغم من المواقف التي تعرّض لها الفيلم، كاعتراض عائلة غوتشي الحقيقية، وعلامة غوتشي التجارية على الفيلم، فإن جهود الفريق المُنتج أسهم في الانتهاء من إعداد الفيلم وعرضه، وصرّحت في ذلك باتريسيا غوتشي لوكالة الأسوشيتد برس في إبريل الماضي عن استيائها قائلةً: ” نشعر بخيبة أمل حقًا.. إنهم يسرقون هوية عائلة لتحقيق بعض الربح، ثم استطردت قائلة:” عائلتنا لها هوية وخصوصية، يمكننا التحدث عن كل شيء، ولكن هناك حد لا يمكن تجاوزه “.
تم بث عدد كبير من الأفلام والمسلسلات التلفزيونيّة والوثائقيّة المشابهة للفيلم في العقود الماضية، والتي اقتبست فكرتها من عوالم الموضة، وأحداثها من حياة ومهن مصممي الأزياء الأكثر شهرة، وجديرٌ بالذكر: فيلم إيف سان لوران، والفيلم الذي تناول مقتل جاني فرساتشي وعلاقته بأخته، والفيلم الشهير لماكوين، وفيلم مارغيلا وغيرهم الكثير.
حاز الفيلم “بيت غوتشي” على عدد كبير من الترشيحات والجوائز، والتي من أبرزها: جائزة نقابة ممثلي الشاشة عن الأداء المتميّز، وجائزة الأوسكار لأفضل مكياج وتصفيف الشعر، وجائزة اختيار النقاد للأفلام لأفضل ممثل، جائزة الجولدن جلوب لأفضل ممثلة فيلم دراما، جائزة البافتا لأفضل ممثلة في دور رئيسي، جائزة آكتا الدولية لأفضل ممثل مساعد، جائزة ستالايت لأفضل ممثلة في فيلم دراما.
رغم الجو الدرامي الرائع الذي تمتّع به الفيلم، فإن مثل هذه المخاطرات التي أقدم عليها “بيت غوتشي” مخاطرات لم تسهم بشكل إيجابي في الارتقاء به، وسيتم دفع ثمن هذه المخاطرات في الاستقبال الجماهيري، والاستقبال النقدي، والتكريمات المستحقة لبعض الأدوار التمثيلية، التي ستوضح أنها فرصة مهدرة فعلا، وكان من الممكن استثماراها بشكل أفضل.