أصلحوا البواطن والنوايا؛ ليصلح العمل
خلفان بن ناصر الرواحي
كلنّا يجاهد نفسه لبلوغ منزلة نقاء السريرة وصلاح القلب، وينال منزلة صلاح العمل وكماله، وكل ذلك له أسبابه ومسبباته التي توصلنا لذلك السبيل، والهدف المبتغى والمنال.
ومما يجهله الكثيرون أن ذلك المنال لتلك المكانة والمنزلة هي من الأمور التي يمكن الوصول إليها بسهولة دون إدراك لصحة النوايا ونقاء القلب وطهارته، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. [الحج:46]، فَلَو تمعنا في هذه الآية الكريمة من حيث الدلالة على مكانة القلب؛ فإننا ندرك جليًا أن العمى ليس عمى البصر، وإنما ذلك هو عمى البصيرة حتى وإن كنّا نملك القوة الباصرة السليمة، فإن لم يستقر ذلك في القلب فلا نستطيع تنفيذ ما نراه إلى العبرة، ولا اليقين الذي يوصلنا إلى دقة الخبر.
إذًا، فإن صلاح القلب وهو مربط الشعور، والقاعدة والمنطلق الذي نبني عليه في المقام الأول صلاح العمل، فهو المضغة التي جعلها الله لنا محركًا لمشاعرنا، ووحدة التحكم المسيطرة على سلوكنا وصلاح أعمالنا؛ حيث وصفها رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- كما جاء عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(أَلَا وَإِنَّ في الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهَيَ الْقَلْبُ) – متفق عليه.
وكذلك هو الحال بإخلاص النية، فكلاهما مرتبط ببعض، أي صلاح القلب والعمل والنية، فإذا لم يكن صلاح القلب حاضرًا بنية صادقة؛ فإن فساد العمل واقع لا محالة، أمّا إن توافقت جميعها بالصلاح والصدق-القلب والنية- فإنهُ مما شك فيه حسن كمال العمل وإتقانه سوف يكون مشهودًا وواقعًا لا محالة في جميع أعمالنا دون استثناء، سواء كانت مرتبطة بالعبادة والصلة المطلقة مع الله أو بالتعامل مع الآخرين من البشر.
فالواجب علينا أن نعلم يقينًا أن كمال الإيمان هو قول وعمل ونية، وأن صلاح الباطن هو المؤثر والداعم لصلاح الظاهر، فكلما ازداد صلاح الباطن- أي القلب- كان ذلك زيادة في صلاح الظاهر، ومما يدل على هذا الترابط أيضًا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». رواه مسلم.
كما يجب على كل ذي لبٍّ منّا أن يهتم بصلاح قلبه الباطن، فيتفقده دائمًا، ويتجنب ما قد يعترض طريقه أو تتوجس له نفسه الأمارة بالسوء من المفسدات، سواءً أكانت من الشبهات أم من الشهوات الهدامة، أو مما يؤدي إلى فساد العمل؛ وذلك لأنه إذا صلح القلب تبعته سائر أعضاء البدن، وكما ينبغي أيضًا على الجميع وخاصة من له صلة بالدعوة وأهل الصلاح والعلم أن يهتموا بإصلاح قلوبهم قبل الدعوة لإصلاح قلوب العباد، فإنها إذا صلحت أحوالهم استجاب الناس لهم وانقادوا طوعًا لشريعة الله، ورغبوا فيما عنده، ولنخلص النوايا في كل عمل، فرُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظِّمهُ النيَّةُ، وربَّ عمل كبيرٍ تُصَغِّره النيَّةُ.
نسأل الله أن يهدينا سبل الرشاد، وأن يصلح قلوبنا، ويوفقنا لصدق النية، ليوفقنا لصلاح العمل، فمما يعين على صلاح القلب هو اللجوء والتضرع إلى الله تعالى، وكثرة الدعاء، وحسن الظن، وصلاح النفوس، وتقوى الله في السر والعلن؛ يقول الله تعالى -مخبرًا عن دعاء عباده الراسخين في العلم-: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].
والله ولي التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.