الحقوق الزوجية في الإسلام (١٤)
د. عبدالحكيم أبوريدة
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فلقد تناولنا في مقالات سابقة جانباً من الحقوق المشتركة بين الزوجين، ومن هذه الحقوق أيضاً ( الجمال والتّجمل):
أصحاب العقول السليمة من الرجال والنساء يحبون الجمال لأنه أمر فطري في الإنسان، -وصدق الله تعالى- إذ يقول:(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)- سورة التين).
وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الله جميل يحب الجمال”.
وإذا كان التّجمل والجمال لكل إنسان، فهو بالنسبة للزوجين فيما بينهما أوجب وألزم، وعلى الزوجين مراعاة هذا الجانب في حياتهما الزوجية، فالزوج يسعده أن تكون زوجته جميلة الظاهر والباطن، والمرأة كذلك يسرّها أن يكون زوجها جميلاً في ظاهره وباطنه.
وعندما نتحدث عن الجمال والتجمل بين الزوجين، نقصد الجمال المعتدل الذي لا تكلف فيه ولا إسراف، والذي تفعله الزوجة مع زوجها، لا ما تفعله بعض النساء في حياتهنَّ العامة خارج بيت الزوجية، من تصنع يتنافى مع حكم شريعة الإسلام.
ولقد وردت أحاديث متعددة، تدل على وجوب تزين المرأة لزوجها، وتزين الرجل لامرأته، فعن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال:”إني لأتزين لامرأتي كما تتزين هي لي”.
ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن وهب بن عبدالله -رضى الله عنه- قال: “آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى زوجته أم الدرداء متبذلة- أي تلبس ملابس قديمة لا تدل على الإهتمام بزينها فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا…
فجاء أبو الدرداء: فصنع لسلمان طعاماً وقال له: كلْ فإني صائم، فقال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل.
فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم للصلاة، فقال له سلمان نم فنام، فلما كان آخر الليل قاما فصلَّيا …. فقال سلمان لأبي الدرداء: إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه، فبلغ ذلك النبى -صلى الله عليه وسلم- ذلك فقال:(صدق سلمان)”.
وفي حديث آخر عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه- قال: “دخلت امرأة عثمان بن مظعون -رضى الله عنه- على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: مالك؟ ما في قريش رجل أغنى من زوجك!! فقالت: ما لنا منه شيء، أما نهاره فصائم، وأما ليله فقائم، فدخل النبي-صلى الله عليه وسلم- عليهن فذكرنَ ذلك له. فلقيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا عثمان أما لك في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة؟ فقال عثمان: وما ذاك يا رسول الله فداك أبي وأمي؟ فقال له: أما أنت فتقوم الليل وتصوم النهار، وإن لأهلك عليك حقا، وأن لجسدك عليك حقا، فصل ونم، وصم وأفطر.
فأتت امرأة عثمان بعد ذلك عطرة كأنها عروس، فقلن لها: (مه) -كلمة تعجب أي ماذا حدث لك- فقالت: أصابنا ما أصاب الناس” .
ويؤخذ من هذه النصوص أن من الحقوق المشتركة بين الزوجين، أن يظهر كل واحد منهما أمام الآخر بالمظهر الجميل ظاهرا وباطناً؛ لأن ذلك مما يزيد الحياة الزوجية سعادة وهناء.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.