مُت فارغًا
مزنة بن سعيد المعمرية
كثير من الكتب تترك بداخلنا أمورًا عميقة، وتغير فينا الشيء الكثير، لا بد أن كل واحد منا لديه كتاب شكل نقطة مفصلية في حياته، كتاب غيّر أفكاره بشكل جذري، وعبارات منه ما زالت في ذاكرته، يعده مرجعا تشجيعيا وفكريا.
لذلك من بين الكتب التي غيرت الكثير بداخلي كتاب “مُت فارغًا”، والذي أعده فعلاً من الكُتب القيمة التي تستحق القراءة والتصفح في مضمونها بعُمق.
كتاب “مُت فارغًا” للمؤلف تود هنري يُعدُ بحدِ ذاته واحدا من أهم كُتب تطوير الذات وأجملها، إذ سعى الكاتب من خلاله إلى إعادة بلورة انتباه الكثيرين منا ولفت نظرهم؛ لإدراك أهمية أن نموت فارغين من كل الخير الذي بداخلنا، والأفكار العظيمة التي في صدورنا.
استوحى الكاتب الفكرة من خلال اجتماع عمل، عندما سألهم المدير عن أغنى أرض في العالم؟ فكانت إجابة الجميع مختلفة.
لم يتوصل طبعا الجميع إلى الإجابة المنشودة، التي صعق بها كل من حضر، حيث أجاب المدير: أغنى أرض في العالم هي المقابر.
نعم المقابر؛ لأنها تضم الكثيرين ممن رحلوا، وبداخلهم الخير الكثير، والمشاريع العظيمة، والأفكار الجبارة التي لم يفرغوها قبل رحيلهم!
كانت هذه بمثابة شرارة البداية التي استوحى منها تود هنري فكرة كتابه، والذي أحدث ضجة واسعة، وصيتا عظيما بين الناس.
الكثيرون ممن استوعبوا ذلك بدأوا يفتشون بداخلهم محاولين إفراغ كل الطاقات الخيرية والأفكار قبل رحيلهم، مدركين مدى عمق عبارة تود هنري: لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل بداخلك أفضل ما لديك، اختر دائما أن تموت فارغًا من كل الخير بداخلك، أن تموت ولا يوجد أفكار عظيمة بداخلك حبستها، وحرمت العالم من الانتفاع بها، أن تموت ولم تزرع الحب والخير والأمل لمن حولك، أن تموت وبداخلك أمور عظيمة ظلت محبوسة فيك.
في ختام مقالي أود أن أوضح، نحنُ من نملك القرار النهائي في أن نموت كما قال تود هنري: مت قليل الندم كثير الرضا، لذا على كل واحد منا المحاولة دائماً في أن يموت قليل الندم وكثير الرضا، كثير الرضا بأن يكون قد أفرغ كل ما في جعبته من الخير قبل رحيله، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: يا تُرىٰ كم منا سيموت كذلك؟!