احتفال السلطنة باليوم العالمي للسل
السل.. الوباء الصامت ..الحاجة إلى الاستثمار لإنهائه وإنقاذ الأرواح باتت ملحة
النبأ
ساعد التطور العلمي و التكنولوجي في طي صفحات كثير من الأمراض المعدية التي كانت تفتك بآلاف البشر، غير أن بعض هذه الأمراض والتي عُرفت منذ عصور غابرة ما تزال حاضرة حتى اليوم، الأمر الذي يحدو بنا جميعا إلى التكاتف من أجل إنقاذ أرواح الناس من الهلاك.
ويعد مرض السل (الوباء الصامت) أبرز هذه الأمراض المعدية الحاضرة بيننا حتى اليوم والذي تتسبب فيه جرثومة بكتيريا السل، وهو مرض يصيب الجهاز التنفسي أو بعض الأعضاء الأخرى كالجهاز العصبي والعظام والجهاز الهضمي والجهاز الليمفاوي، وينتقل من شخص لآخر عن طريق التعرض للرذاذ المعدي المنبعث من الشخص المصاب أثناء العطس أو السعال أو الكلام أو الغناء. وتتلخص أهم الأعراض التي تثير الاشتباه بمرض السل في الحمى والسعال الذي يكون مصحوبا بخروج الدم في بعض الأحيان لمدة أسبوعين أو أكثر والتعرق الليلي ونقص الوزن بشكل ملحوظ وانعدام الشهية وقد تظهر أعراض أخرى متعلقة بالأعضاء المختلفة المذكورة أعلاه التي قد تصاب بالمرض. ويجدر بالذكر بأن هناك نمطين معروفين لمرض السل بعد إصابة الشخص به، الأول هو السل النشط وهو ظهور أعراض المرض بعد التعرض لبكتيريا السل وتكمن خطورته في تفاقم المضاعفات إذا لم يتم الكشف عنه ومعالجته، والثاني هو السل الكامن وفيه يصبح الشخص حاملا لبكتيريا السل دون ظهور أعراض المرض عليه وتكمن خطورة هذا النوع في إمكانية تحوله للنوع النشط في حال لم يتم علاجه.
وبالنسبة لطرق الوقاية من السل فهي تتلخص في سرعة التوجه للمؤسسة الصحية فور الشعور بالأعراض لتسريع الكشف عن المرض وعلاج المصاب وتتبع المخالطين له وعلاج المصاب منهم بالسل النشط أو تقديم العلاج للمصابين بالسل الكامن، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالخطة العلاجية والتي تصل إلى 6 أشهر من تناول العقاقير المخصصة لعلاج السل وقد تتجاوز هذه المدة بناءً على العضو المصاب واستجابة المريض وتبعا لإرشادات الطبيب المعالج، كما ينبغي الالتزام بالإجراءات الوقائية أثناء وجود المريض داخل المؤسسة الصحية كتوفير غرفة العزل وارتداء كمام التنفس الخاص من قبل طاقم العلاج أو عند وجوده بين أفراد العائلة أو في الأماكن العامة كاستخدام المنديل أو باطن كوع اليد عند العطس أو السعال ومداومة غسل اليدين أو تعقيمهما.
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن السل ما يزال أكثر الأمراض المعدية فتكاً في العالم، حيث يسبب يومياً هلاك أكثر من 4100 واعتلال ما يقرب من 000 28 شخص آخر؛ مما حدى بالأمم المتحدة إدراج مبادرة القضاء على السل من ضمن الغايات الصحية المحددة في أهداف التنمية المستدامة. ورغم تلك الجهود فقد قوضت جائحة كوفيد-19 سنوات من التقدم المحرز في الجهود الرامية إلى إنهاء السل. فلأول مرة منذ أكثر من عقد، سجلت الوفيات الناجمة عن السل ارتفاعا في عام 2020.
أما بالنسبة للسلطنة فإنها تعد من الدول ذات معدل الإصابة المنخفضة بنسبة تقل عن 10 لكل 100,000 نسمة، (5.4/100,000 في 2120) بمعدل تناقص وصل الى 2% تقريبا في العشر سنوات المنصرمة. فقد تم تسجيل 233 مريض سل (جميع الأنواع) في عام 2021 مقارنة ب 315 حالة في عام 2020 . وقد مثلت نسبة العمانيين 38.2 % من إجمالي عدد الحالات كما مثل نوع سل الرئة 76% مقارنة بالسل خارج الرئة من إجمالي الحالات. أما بالنسبة للوفيات فقد تم تسجيل 26 حالة وفاة في 2021.
وتهدف السلطنة من خلال الاستراتيجية الوطنية للقضاء على السل والتي ستقوم بتنفيذها على مراحل إلى خفض نسبة الإصابة إلى أقل من 100 لكل مليون بحلول عام 2035 وذلك للوصول إلى ما يسمى بمرحلة ما قبل القضاء على السل عن طريق خفض الإصابة بنسبة 90 بالمئة و خفض الوفيات بنسبة 95 بالمئة قياسا على الوضع الوبائي لعام 2015. ترتكز الاستراتيجية الوطنية على عدد من الركائز ألا وهي الوقاية والتشخيص والعلاج والتعزيز والتي ستطبق في الأنشطة الآتية: التركيز على الوقاية عن طريق توفير الفحوصات المخبرية ذات الفاعلية والحساسية الكبرى للمصابين و المخالطين والفئات ذات الخطورة وتوفير العلاج المناسب وتشجيع الوعي المجتمعي والبحث العلمي من أجل تجويد الخدمات المقدمة للمرضى . ونظرا للجهود الحثيثة التي تبذلها السلطنة في هذا الصدد والتي تمثلت في انخفاض معدلات الإصابة وارتفاع مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمصابين والمخالطين فقد استشهدت منظمة الصحة العالمية بالسلطنة بوصفها إحدى التجارب المثيرة للاهتمام في إقليم شرق المتوسط.
وتشارك السلطنة دول العالم الاحتفال بذكرى اليوم العالمي للسل في 24 مارس من أجل إذكاء وعي الجمهور بالعواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية المدمرة للسل وتكثيف الجهود الرامية إلى إنهائه والقضاء عليه.و يأتي شعار هذا العام – “استثمروا في إنهاء السل. أنقذوا الأرواح.”- رسالة تؤكد الحاجة الملحة إلى استثمار الموارد لتكثيف جهود مكافحة السل في سبل الوقاية و التشخيص و العلاج والوفاء بالتزامات قادة العالم .و تزيد أهمية هذا الأمر في هذا الوقت خلال جائحة كوفيد-19 التي هددت بنسف التقدم المحرز في مكافحة السل، ولضمان الحصول العادل على الوقاية والرعاية للتواكب مع المساعي نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة. لذلك فان زيادة الاستثمارات في هذا المجال ستنقذ المزيد من ملايين الأرواح وستسرع إنهاء وباء السل.
ويأتي اختيار هذا اليوم تخليدا لذكرى اليوم نفسه من عام 1882 الذي أعلن فيه العالم روبرت كوخ عن اكتشافه للبكتيريا التي تسبّب السل، مما مهّد الطريق لتشخيص هذا المرض وعلاج المُصابين به.
وتعد أهم الرسائل التوعوية التي ينبغي مشاركتها وبثها بين أفراد المجتمع هي أن مرض السل يمكن الوقاية منه وعلاجه والتشافي منه كما ينبغي الترويج لإنهاء الوصم والتمييز الناجمين عن السل. إضافة إلى نشر الوعي عن أهمية تشخيص و علاج السل الكامن في الفئات الأكثر عرضة للمخاطر مثل المخالطين لحالات السل خاصة الأطفال و القادمين من الدول ذات معدل الإصابة المرتفعة و المرضى من ذوي المناعة المنخفضة . كما يجب التركيز على تظافر الجهود سواء على مستوى الأفراد و المجتمع بجميع فئاته أو على مستوى المؤسسات الحكومية والخاصة إضافة إلى جميع دول العالم ليتسنى للبشرية القضاء على هذا الوباء الصامت و العمل على الاستثمار في البحوث العلمية و طرق الوقاية مثل اللقاحات الناجعة للوصول إلى الأهداف المنشودة .