2024
Adsense
ثقافة وفنون

سآخذ بيدك؛ لأننا متشابهون

مياء الصوافية

أنا نظير لك؛ فأنا من طين الأرض النابض، ألا تذكر ذلك؟
ألا تذكر بأنك خرجت للحياة وما زلت تبحث عن عكاز تتكئ عليه، وعن صورة تحس معها بأمان عجيب؟.
ما زلت أذكر أنك قد شربت من كأس الحياة مثلي، ورضعت شيئا أبيض من فطرة، وعندما ظهر نابك بحثت عن ألوان تدخل في صميم جوفك.

تلسعك نيران الشكوى من أنين يسكن في آهاتك البعيدة، تبحث عن دفء وشائج تحرك السكون الذي ألم بوحدتك، وألجم لسانك، وأسال دمعك، فتأتي اليد التي تكفكف دمعك، أنت طين مثلها من ماء الحياة خلقت.
تغرقك دموع حزنك وتملّح حلاوة يومك تبحث عن لحظة فرح في تعاقب زمنك إن اعتصرت الدمعة عينيك، وغابت عنها برودة تثلج محيطك، وتقر أنسك.
رجوت رحمتك بي المصوبة على إحساسي الذي ينبض كقلبك، والذي يتلطف بندى حديثك، ويكدر صفو زِلاله معكرات يتجرع منها ما ينشب في أوردة حياته مثلك؛ فيسوّد شيئا من بياض أمله ويضيّق من اتساع تفاؤله كإحساسك أنا.

رحماك أخي، أنا مثلك، احفظني في إقبالي بوجهي إليك وإدباري عنك، احفظ إنسانيتي، لا ترم سوادك على ظهري، ولا ودادي بجفاء نظرتك وتعالي أنفك، وزمجرة حديثك.

ربما هناك من نشب شوكة في ممشى وصلك، وجعلك تشرب من كأس علقمه. أعد نظرة عينك، وأدر للجمال عين بصيرتك؛ فلا تدعنا نلتحف بعموم انطباعك فيلسعنا وهج شررك؛ فلسنا سواء في تعاملنا معك؛ فلضفافنا مروج قد تتفيأ أنت من اخضرار دوحها، ويحضنك عطاء امتداد أغصانها، ومن أوراقها ما يدفئ برودة سأمك، ويخضر بها قلبك.

تعال معي إلى مدفأة فكري، ربما ستجف دموع منك أسالتها أشواك جفاء نبتت من قلب لم يعرف قدرك.
دعنا من رماد يخمد جذوتك، أشعل من حرارة أخوتي وصدق نبضي ما يوقد راية أملك في جبال هزائمك.
تصارعنا نكبات الزمان ونحن في زمن واحد فمد جوارك المعنوي كامتداد جوارك المادي؛ فبيوتنا تتقاسم نسائم هواء واحدة، وتستظل بألفة أرض واحدة وقد حرثها جذر واحد. ربما عروقنا السارية صلبها من ظهر هذا الجذر الواحد، وولادة آمالنا من مخاض حملته السنون التي أظلتنا بنفس دائرة زمانها.

لا تأبه إن تعثرت خطاك، وبحثت عمّا يقيل عثرتك؛ فلم تجده فيمن زرعت الحسن في ظنك به، ستجد قلبي يمسك شيئا من أملك، ويقيلك من براثن وجعك، وييمِّم شراع مركبك.

لسنا سواء يا أخي؛ فهناك من يبست طلاوة قلبه، فشفَّ جوهره عن يبس طينته، وعلياء تطاوله، لكن قلبي معك. ستخضر مرابعه، وستزدان بيديك قطوف مراتعه، سأقيم لأخوتك بنيانا تراصت حجارة تكاتفه؛ فسلم من تداعي ركن صولته وجولات نهضات غوثته.

فهذه طبيعتنا الحية التي فيها من كل نسمة منا شيء يحيينا. أصغِ إليها؛ لقلبها الداعي لنبض وحدتنا، واتساع أنَاتِنا، وتلك الأزاهير التي لا أراها بأنها لذاتك المنفردة فقط؛ فعبيرها يخبرك بأنا متساوون في عبق شذاها، وإطلالة بهائها.
النهر الجاري ألا تراه يخبرك بأن أيامك وأيامي تجري بنا إلى أصولنا الطينية؟
بلى، تعلم ذلك؛ حين تنعكس صورتك عليه عند صفاء وجهك وهو منبعث من النور؛ حين هذا النهر يبرّد من لظى لهبك، وتهدأ ثورة تشاؤمك على مرآته الناطقة.
عد إلى حقيقة بأني أشبهك؛ فأحلامي كأحلامك خلقت من نور الأمل تطمح إلى صورتها العسجدية الخالدة في الصورة الواقعية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights