2024
Adsense
مقالات صحفية

فضفضة متقاعد

سعيد بن خلفان الحكماني

بداياتنا كانت متواضعة جدا في العمل، ورواتبنا كذلك، وتدرجنا وتعلمنا ومضت السنين، وبعضنا منشغل في كيفية توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته، وكيفية تسديد ديونه التي يحاول أن يطوي صفحاتها ولو مؤقتا؛ حتى يستطيع أن يعيش، فكل فرد في الأسرة له متطلبات، وعلى عاتق رب الأسرة أن يحاول توفيرها مهما كانت الظروف، وتأخر الترقيات لها دور في زيادة الوضع المالي سوءا؛ لذلك عندما كنت في الوظيفة كانت طموحاتي كثيرة، وأمنِّي النفس بتحقيقها يوما ما، سواء أطال العمر بي أم قصر، طالما أتنفس وبي رمق من الحياة، ولم يدرْ بخلدي يوما أن روتيني المعتاد سيتغير إلى الأبد، وسأفارق مكتبي، وألملم أغراضي، والتي معظمها لم تعد صالحة للاستخدام، وأوراقي التي سيكون مصيرها سلة المهملات، وسأودع زملائي الذين ترافقنا جميعا لمدة تقارب الثلاثين عاما، فكل رواق في المبنى يشهد خطواتنا، من مكتب إلى مكتب لتخليص معاملة ما، وها أنا ذا سأبدأ حياة جديدة لم أعهدها؛ ففيها مزيج من الراحة والكسل، وبعض النشاط الذي لا يلبث أن ينشط ويخفت حسب المزاج، وقل التواصل الذي اعتدت عليه خلال تلك السنين، وبدأت الالتزامات المادية بالازدياد مرة أخرى، لا يوجد عمل آخر لزيادة دخل أسرتي؛ فالباحثون عن العمل كثر، الكل ينتظر وهم في ريعان الشباب، الأبناء والبنات يكبرون، وها هم يدرسون في مختلف الكليات والجامعات، والمصروفات اتجهت للارتفاع، والدخل أصبح لا يتسع لهذه التغيرات، فباب التقاعد لا بد منه لترك المجال للآخرين؛ لتكملة المشوار، وكل شيء له حد يصل إليه.

ولكن لو تم تكريم المتقاعد، والذي اتسم بالأمانة والإخلاص طيلة سنوات خدمته، والنظر لوضعه من الناحية الإنسانية، وقدمنا له الشكر والتقدير على سنواته التي قضاها في خدمة الوطن والمجتمع؛ لكي يعيش مرحلته الحياتية الجديدة؛ فسيسعد بذلك، ويشعر بالفخر أن هناك من ينظر إليه بعين الرضى، وهنأه على ذلك؛ لاستطاع حتى السفر لتغيير روتين حياته بعيدا عن منغصات الديون وغيرها؛ لذلك فلننظر لهذه الفئة على الأقل بنظرة فيها الرحمة والإنسانية إلى جانب الفئات الأخرى، كالمسرحين، وأصحاب الدخل المحدود، وغيرهم ممن يستحقون هذه النظرة.

يقول النّبي -صلى الله عليه وسلم-: “الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمن” (الترمذي:1924)، أي: أنّ الذين يرحمون من في الأرض من إنسان أو حيوان أو أيًا كان مما خلق الله تعالى شفقةً ومواساة؛ فإنّ الله تعالى يرحمهم برحمته التي وَسِعت كل شيء، والجزاء من جنس العمل، فالله تعالى متصف بصفة الرحمة، فهو سبحانه الرحمن الرحيم، ورحمة الله ليست كرحمة المخلوقات؛ فإنه ليس كمثله شيء، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: “ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ”. (أبو داود:4941)، أي: ارحموا جميع من في الأرض حتى يرحمكم من في السماء، وهو الرحمن بذاته، ويتفضل عليكم بإحسانه.

فالخطط والتشريعات لا بد أن تتغير؛ لتتسع هذه الرحمة لفئات المجتمع المتضررة من الظروف الاقتصادية المحيطة بهم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights