قيمنا المجتمعية إلى أين؟
هلال بن حميد المقبالي
تمثل القيم المجتمعية مرجعًا مهمًا في تحكم تصرفات الفرد؛ حيث تتمثل هذه القيم في تكوين شخصية الفرد، وتشكيل طابعه الإنساني، وشخصيته المجتمعية والقومية، وكما يقال:”إن الفرد ابن بيئته”، فهو يتأثر بتأثر المجتمع الذي يعيش فيه؛ حيث تمثل القيم دورا كبيرا في بناء السلوك وتوجيه الفرد.
إن تعميق هذه القيم في فكر النشء وكيانه أمر حتمي؛ حتى لا تتداخل عليه الأمور في ظل هذا الكم الكبير من الغزو الفكري الذي يتلقاه الناشئة من شتى الجهات مع ظهور التطور التكنولوجي الإكتروني، وتوفر وسائل الهدم والتدمير، التي تغزو الفكر الإنساني، واستخدام هذه التقنيات بالصورة التي تؤثر في النسيج المجتمعي وكيانه الأخلاقي، والسلوكي..
تقع مسؤولية نشأة الفرد على القيم في المجتمع علي الأسرة والجماعة من خلال المنزل والمجالس والمدارس الدينبة، وبعدها المدارس التربوية، وحتى الجامعات؛ لتثبيت قيمنا ومثلنا العليا، والعمل على ترسيخها بالسلوك النظيف؛ لأن التناقض بين الأقوال والأفعال يؤدي إلى زعزعة الثقة في النظام العائلي والاجتماعي، وغياب الاهتمام الكافي ببناء القيم لدى الشرائح العمرية في المجتمع؛ سيوجد الكثير من القيم المستوردة الدخيلة على مجتمعنا والمخيفة في مضمونها، والتي تؤثر في كيان المجتمع وبنائه، ومن المؤسف حقًا أن نرى بعضهم، وقد تخلى عن بعض هذه القيم المجتمعية، والتي يعتقدون أنها قيد يمنعهم من التطور والحداثة، وما نراه الآن منتشرًا في مجتمعنا العماني من سلوكيات ينبذها المجتمع في السابق، أصبحت عادة متبعة تداخلت بين أبناء المجتمع.
ومن أمثلة هذه الممارسات التي ابتعدت عن القيم المجتمعية، ودخلت بين بعض أفراد المجتمع على أنها تطور، ولكن في الحقيقة هي ظاهرة مقلقلة لتزايد ممارسيها، وهي لبس الشباب الملابس شبه العارية (الهاف وفانيلا عارية الاكتاف) في المولات والحدائق والأسواق والشواطئ والأماكن العامة الأخرى، وتقليعات الشعر، ولبس بعض أدوات الزينة (الإكسسوارات) وغيرها من السلوكيات التى تتنافى مع قيمنا المجتمعية والإسلامية، وكذلك حال بعض الفتيات المتبعات الموضة الدخيلة، والتى يعتقدن أنها حرية وتطور، وكسر قيد الالتزام، والتعقيد، والكثير من السلوكيات التي غزت أفكار الشباب جراء غزو القيم الوافدة إلى مجتمعنا، فحولت الوضع إلى تماهي القيم المجتمعية مع هذه القيم الواردة من مجتمعات مغايرة لقيمنا وعاداتنا، من خلال التقدم الإلكتروني، وما صاحبه من منظومات وعمليات ممنهجة لحلحلة المبادئ والقيم المجتمعية والإنسانية قبل الإسلامية، والتي تقودنا إلى الاغتراب عن واقعنا ومحيطنا الاجتماعي من جراء التسابق في تطبيقها.
فإلى أين نحن سائرون بهذه العقائد والقيم التي غزت شبابنا في مجتمعهم المحافظ؟
أليس للإعلام دور في ترسيخ القيم المجتمعية والوقوف سدًا منيعًا على القيم الدخيلة الممنهجة؟
من المفارقات في هذا الشأن أنك عندما تكلم شخصا بأن هذا اللبس غير لائق الخروج به، والدخول به إلى المحلات التجارية؛ لأنه يفتقد إلى الستر والحشمة؛ يكون رده أنا حر فيما ألبس، وكأن النصح بالحسنى والتوجيه السليم ليس له قيمة عند بعضهم، وربما بعضهم يرد عليك بأقبح الردود، والمواقف في هذا الوضع كثيرة، وعندما تخاطب المسؤول عن هذه المحلات يقول لك: لا يوجد ما يمنع من دخوله، وأنا لا أهتم فيما يلبسه الزبون، أهتم فيما يشتريه ويدفع ثمنه، فأنا أريد زبونا يشتري من محلي مهما كان صفته أو لبسه!.
لهكذا الموقف، أليس من واجب الحكومة إصدار قرار يلزم أصحاب هذه المحلات بعدم السماح لدخول أحد أيا كان عمانيًا أو وافدًا إلا بلباس محتشم يحترم قيمنا وعاداتنا؟
إذا لم نتكاتف في هدم هذه الهوة ستتضخم المسألة، وستكون أزمة مجتمعية أخلاقية، ومن الصعب السيطرة عليها، وليست الملابس إلا جزءا من كثير من القيم التي تأثر بها المجتمع، وأثرت في حياة الناس، فقلة صلة الرحم والتواصل، واختفاء بعض المظاهر التي كانت تشيع الدفء والتراحم والتلاحم بين أبناء المجتمع، ما هي إلا تماهٍ لقيمنا مع القيم الدخيلة التي تفتقد الترابط المجتمعي، ولا تعي كل هذه السلوكليات الإيجابية التي توارثناها، وحافظ عليها من سبقنا، حتى جاءت هذه الطفرة العالمية، وتمكنت من غزونا وإضعاف الكثير من القيم الاجتماعية السائدة في مجتمعنا.
إننا نعيش حاليًا صراعًا حقيقيًا للحفاظ على مرتكزات قيمنا، وبين القيم الدخيلة التي أوجدتها الحداثة المجتمعية، والتطور الإلكتروني والتقنيات المصاحبة له، نعم، لا بد لنا من أن نواكب التطور، ولكن في المقابل لا بد أن نبني رصيدا تراكميا من القيم الإنسانية والمجتمعية، وغرس هذه القيم في أفراد المجتمع، فالإنسان بطبيعته يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه، فالذي يعيش في مجتمع يُعلي شأن قيمة ما، فحتما سيسير في نفس الاتجاه، ويكون المجتمع مسؤولا عن التنشئة السلبية لأبنائه على قيم بديلة، والزج بهم في متاهات لا نهاية لها.
للحفاظ على قيمنا لا بد من تكاتف جميع الجهات المؤثرة في ترسيخ قيمنا الاجتماعية سواء كان من المجتمع نفسه أو من المؤسسات الحكومية المختصة في ذلك، كالتربية والإعلام، وسن القوانين اللازمة لتثبيت القيم المجتمعية، والحد من ظهور سلوكيات تتنافى مع قيم مجتمعنا أخلاقيًا وسلوكيًا.