انتبه لفكرك، وما يخطه قلمك …
خلفان بن ناصر الرواحي
يعيش كل منا في هذه الحياة في معترك لا يخلو من الحلو والمر، والسهل والصعب، والتجليات والتحديات، والتجربة والمحاولة، والتعثر والنجاح، ولكل منا له تجاربه فيها بما يميزه عن غيره، وتبقى بعض من تلك اللمحات والوقائع، والأحداث في الذاكرة، وتضاف إلى سجل يومياتنا الشخصية، فإما أن تكون مدونة في الورق، أو تبقى مجرد ذكريات في صفحات الذاكرة. وهنا يكمن دور القلم فيما يخطه وينتقيه، فهو الحافظ للأفكار، والمدون لمختلف العلوم، والمتفاعل مع الأحداث، وهو حلقة الاتصال بين الكاتب والمتلقي، وهو الحلقة الرابطة بين الحاضر والمستقبل، والوعاء الحافظ للمدونات في متون الكتب والورقات الناصعة، وهو مرآة تعكس محتوى الفكر على صفحات الورق للمفكرين على مر العصور؛ لتجتمع في مكتبة الحياة.
تمتاز يومياتنا الشخصية، وإلى حدّ ما كتب الذكريات أو حكايات متناقلة بين محيط الأسرة أو الأرحام أو الأصدقاء أو عامة الناس، أو كأنها بمثابة الوثائق الرسمية والمنشورات بمختلف أمور الحياة؛ وفقاً لممارسات وثقافات وميول معين يميز كل شخص منا عن الآخر رغم تلاقي بعض منها في بعض النقاط، أو تشابهها من حيث الأسلوب أو الحدث، وقد تكون تلك اليوميات متنوعة من حيث التدوين، أو البقاء ضمن الحكايات المتناقلة عبر الأجيال، سواءً كانت شخصية أو عن جهات رسمية حكومية أو عن جهات وحركات وأحزاب سياسية.
فلو أبحرنا في مدى تأثير تلك اليوميات والمدونات لوجدنا أن الغالب منها له تأثير شخصي أو عام، وقد يكون لها أثر بالغ في قدرتها على أن تنفذ إلى أعماق الحياة المجتمعية لتصورها بمختلف تجلياتها ومكوناتها التفصيلية، بعيداً عن اللغة الرسمية وضوابطها وقيودها، ويعتمد ذلك على قدرة الكاتب أو صاحب المدونة والقلم على إيصال رسالته للجهة المعنية بالأمر بدلالاتها وحيثياتها، وبأسلوب يرقى لمفهوم معايش وواقعي بسرد تفاصيل الأمر الذي يطرحه؛ بحيث يقترب قارئ اليوميات أو الإضاءات من الإحساس بها، وكأنه يعيش واقعها وزمانها، ويلامس أشياءها، ويشترك في الحياة ومع التجربة، فغالباً ما تكون اليوميات الشخصية تتضمن نصوصاً كان كاتبها قد انطلق بحرية بقلمه ليسرد حرفه في التعبير عن نفسه وبأسلوبه الخاص، وآرائه ومشاعره وآماله ورغباته بمرآة قراءاته، أو قد يكون استنتاجاً من عدة آراء طرحت أو خلصها من واقع معايش مع الأفراد والمجتمع، فلا تحدّه الرسميات وقواعد الخطاب العام مسترشداً بخبرات الآخرين في الطرح والأسلوب بقالب جمالي يستسيغه القارئ أو المتلقي المعني بالأمر بعيداً عن التكلف، أو الطعن المباشر الذي لا يزيد الأمور إلا تعقيداً، ومستنداً على الدلائل التي تؤيد الفكرة والتعبير عن الرأي.
لهذا علينا -أصحاب القلم- أن ننتقي المواضيع لنسلّط عليها إضاءاتنا بأسلوب يليق بمكانة القلم وقيمته الذي نبحر به في عباب بحر الحياة من خلال تجربتنا الشخصية، ونرتقي بأسلوبنا لما يخدم المصلحة العامة دون الخوض في سفاسف الأمور التي لا قيمة لها، وتحط من قيمتنا ومكانتنا الشخصية وسمعة المجتمع الذي نتعايش ونتفاعل مع مجريات أحداثه اليومية وتفاصيلها، كما ينبغي أن ننوع مواضيعنا، ونقدم عرضاً وتحليلاً لجوانب من حياة المجتمع بما يلامس تطلعاته في مختلف جوانب الحياة وتفاعلاتها مع الآخرين أو العالم الخارجي، ومدى تأثيرها في حياتنا وتجربتنا الشخصية، وبألا يكون ذلك مقتصراً فقط في المجال الديني أو الاجتماعي أو السياسي، إنما في المجال الثقافي أيضاً، أي أن نبحر بقلمنا في طريقة حياة النّاس وعلاقاتهم وأوضاعهم وآرائهم ومذاهب تفكيرهم.
كما أنه يجب أن نضع نصب أعيننا أن تكون كتاباتنا وإضاءاتنا من تجربة الحياة من باب الإسهام في مجال الدعوة إلى الله، والدفاع عن القيم والمبادئ، ومحبة الخير للناس، والحرص على ما ينفع الأمة كافة دون التحيز لمصلحة خاصة، أو التجريح لطائفة معينة، أو التهجم على أحد دون برهان ودليل؛ فالكلمة المكتوبة لها مغزاها ووقعها على المتلقي، وتعبر عما في نفس صاحبها من الخير والشر، فمن كان في نفسه خير خرج منه الخير، ومن كان في نفسه سوء خرج منه السيّئ من القول.
فلنحرص على انتقاء ما نكتب من تجربة حياتنا، ولنخرجها في قالب جمالي يكون مقبولاً وبعيداً عن لغة التعميم في النقد، بعيداً عن تصيُّد الزلات والتشهير بأصحاب الخطأ، وبألا يكون تركيزنا دائماً على الزلات فقط دون المحاسن، وبأن نكون من أصحاب المنهج لنقد أنفسنا؛ لكي نستقيم في قضية نقدنا الآخرين، بعيداً منهجية الترسبات القديمة والمواقف السالفة التي تغلب عليها المواقف والمصالح الشخصية.