تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

التخطيط (2 – 2)

د.طالب بن خليفة الهطالي

ولنا من القصص الواردة في كتاب الله الشيء العظيم قصة يوسف عليه السلام خير دليل على معنى التخطيط والأخذ بدءا من الفكرة وحسن التخطيط والأخذ بالمعطيات المتاحة والإمكانات المتوفرة والموارد المختلفة يليها حسن التنفيذ الحكيم الذي بعد فضل الله تخطت مصر المجاعة والقحط، وكيف استطاع بحكمته أن يوزع الأزمنة الصحيحة في آلية التنفيذ (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا) حيث أمرهم بتكثيف الزراعة ثم بعد ذلك أمرهم بالمحافظة على الثمار وتخزينها من التلف (فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) وفوق ذلك جاء تعليمات يوسف عليه السلام بالاستخدام المقنن وعدم الإسراف في استهلاك المحصول المخزن (إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) وهي إشارة تدل على مدى حكمته في التقنين في الإستهلاك وعدم الإسراف في الشيء مهما كانت كثرته ووفرته ودليل ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، وكذلك قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قصة الهجرة وكيفية التحضير لها عندما أرسل مصعب بن عمير لنشر الإسلام في المدينة وتعليم الناس أمور دينهم وتبعه بعد أن تمت تهيئة البيئة أرسل أصحابه إلى المدينة المنورة، ولنأخذ من قصة هجرته صلى الله عليه وسلم شخصيا وصاحبه أبا بكر الصديق الدروس في كيفية التخطيط عندما أستخلف علي بن أبي طالب في بيته وأمره بالنوم في فراشه وخروجه ناحية اليمن واستقرار ثلاثة أيام في غار ثور خلاف ما كان متوقعا منه أن يتجه ناحية المدينة المنورة وكيفية مسح الآثار من خلال سوق الغنم فوق الآثار.

وتكمن أهمية التخطيط أنه يسهم في وضع الأهداف للمؤسسة ويعمل على رسم السياسات العامة لها وله الدور في وضع الاستراتيجيات في آلية التعامل مع مختلف القضايا وله دور رئيس في إعداد وتأهيل الموارد البشرية والفنية في كافة المستويات الإدارية من أجل تأهليهم وتنمية قدراتهم وبناء صف ثان يقود على إدارة عجلة التطوير والتنمية في المؤسسة؛ وهنا نجد أن التخطيط أضحى من قنوات الاتصال الهامة بين العاملين ويعمل على احتواء الصعوبات والتحديات التي تواجه المؤسسة والعاملين على حد سواء، ويمنح الفرصة لتقييم المرحلة السابقة من خلال الدراسة والمسح البيئي الشامل وقوفا على نقاط الضعف والقوة، مما يجعل المناخ خصبا أمام العاملين للمشاركة بأفكارهم وآرائهم ومقترحاتهم في عملية اتخاذ القرار، فإن هذا يولد فيهم الشعور بالرضا وهذا بدوره يؤدي إلى مزيد من الحرص على الإنجاز والابداع، ويسهل السيطرة على الموارد والإمكانات المتاحة واستثمارها بشكل أفضل وضبط عملية المخصصات المالية والموازنات التخطيطية وتعظيم العوائد من استثمار تلك الموارد وتوظيفها وفق أفضل الطرق المناسبة، وبالتالي فإن ذلك يساعد على تحقيق التفاعل والحوار البناء بين المستويات الإدارية في المؤسسة وبحث السبل الكفيلة التي تضمن ديمومتها ونجاحها ودوام تطورها.

وتتعدَّد الأهداف التي تسعى إليها أيّ مُؤسَّسة، وبناء على ذلك فإنّ الخُطَط أيضاً تختلف، وفيما يلي نذكر أهمّ ثلاثة أنواع من أنشطة التخطيط، وهي:

– التخطيط الاستراتيجي: سبق بيان تعريف التخطيط وهو الذي تتم فيه صياغة الأهداف العامة للمؤسسة وبذلك الجهد لرسم خارطة الطريق لها، وتوجيه مسارها، وتحديد أهدافها لإنجازها كافة، ويعتبر هذا العمل من أعمال الإدارة العليا.
– التخطيط التكتيكي: يعد هذا النوع أقل شمولية إذ يركز على الأفعال والأفراد ويسعى إلى بحث كيفية تنفيذ الخطة الاستراتيجية وفق الموارد المتاحة، وتحديد المدى الزمني اللازم لتنفيذها، وبذلك يعتبر هذا النوع من التخطيط أقلّ شموليّة ويقصد به الإدارة الوُسطى.

– التخطيط التشغيلي: وترجع مسؤولية هذا النوع إلى الإدارة التنفيذية وهو مستوى الإشراف الأول.
ومما لا شك فيه أن هناك العديد من المعوقات التي تحد من تقدم العملية التخطيطية، وتحول دون تحقيق الأهداف المرجوة منه وأهمها:
• عدم تحري الدقة اللازمة في جمع البيانات اللازمة من مصادرها الصحيحة، والإتكالية على جهة معينة، وهذا يسوقنا إلى الأخذ بمفهوم الإدارة التشاركية وتوزيع المهام وتحديد المسؤوليات.
• التقليل من أهمية العنصر البشري أثناء صياغة واعداد الخطة مما ينتج عنه تهاون وتكاسل العاملين ويشعرهم بالاقصاء، حيث أن العنصر البشري هو أساس المؤسسة وعمودها الفقري والمشغل الأول لها، وهو الأعمل بكافة التفاصيل والاحياح العملي الفعلي، وعليه يقع عاتق التنفيذ لذلك فإن مساهمة المستويات الإدارية في إعداد مسودة الخطة يعزز مفهوم الرضى الوظيفي لدى العاملين.
• التحليل الغير ممنهج وعدم المفاضلة بين الخيارات المطروحة ومقارنتها بالاحتياج الواقعي وربط تلك الخيارات مع الهدف العام للمؤسسة.
• تهميش القدرات والكفاءات الداخلية والاعتماد على الخبرات الخارجية من شأنه أن يوجد شرخ في المؤسسة وبالتالي فإن هذا ينتج عنه قصور في اعداد الخطة، وكون أن العنصرالبشري في المؤسسة هو الأدرى بالاحتياج الفعلي لذلك، يجب تأهيل الموارد البشرية لتكون قادرة على بناء مؤسساتها والقيام بالدور المناط إليها، لا أن تكون أداة تنفيذ فقط.

يعتمد التخطيط الإستراتيجي على وضوح الرؤية وبيان الهدف فهو يقضي على الغموض ويقلل من الأزمات المحتملة، ويعمل على اكتشاف الأخطاء أثناء إعداد الخطط أو خلال فترة التنفيذ فتلافي الأخطاء ولا ريب أنه يساعد المؤسسة على خفض التكاليف، ويعزز التخطيط التشاركي الجيد الثقة بالنفس لدى العاملين، ويعمل على فتح آفاقٍ جديدة، وأفكار حديثة، فالعملية التخطيطية تشعر الإنسان بالإنجاز وخصوصا في حال نجاح الخطة، فالإنجاز حافز أساسي لاستمرار النجاح، كما أنه يعمل على توسيع مدارك الفكر، واستخدام الأساليب والموارد والوسائل المتاحة، والاختيار التفاضلي بين البدائل واختيار الأفضل منها.

ونخلص القول أنه أثناء العمل على اعداد الخطة الاستراتيجية فإنه بذلك يلزم تحديد الأولويات واستغلال الموارد المتاحة بما يتناسب وهدف المؤسسة وامكاناتها وعدم الإنشغال بالمسائل الجانبية مع التقييم المستمر لها حتى أثناء مراحل التنفيذ، وحتى بعد التقييم النهائي لمعرفة النتائج المتحصلة منها.
إن تحسين الأداء المؤسسي والمعرفة الكاملة بآلية صنع القرار والعقلانية في اعداد الخطة واتخاذ القرارات ومراعاة العنصر البشري من الأنشطة التي تسعى إليها الكثير من المؤسسات، ويعمل التخطيط الاستراتيجي على التوسع في معارف المؤسسة ودراسة الجديد من خلال بناء قاعدة معلوماتية تخدم بيئة العمل الداخلية وتساعدها في المنافسة الخارجية.​

المراجع:
1. د. مروان جوبر (2018م)، التخطيط والبرمجة التربوية للأنشطة البدنيّة والرياضيّة، الجزائر- فيسديس: جامعة مصطفى بن بولعيد باتنة، صفحة 2. بتصرّف. ^
2. أ ب ساحلي مبروك، مناهج وتقنيات الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها في التخطيط، الجزائر: جامعة أم البواقي، صفحة 2. بتصرّف.
3. أبو حمد ، رضا ؛ الموسوي ، سنان .( 2001). الإدارة لمحات معاصرة . مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع ، عمان.
4. “Planning”,en.oxforddictionaries.com,Retrieved 30-12-2018.
5. Henri Fayol,Administration industrielle et générale.Alger: ENAG,1990,PP 32-64.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights