التخطيط(1-2)
د.طالب بن خليفة الهطالي
مما لا شك فيه أن التحديات المعاصرة والمستجدات على الساحة، فرضت على المؤسسات توفير المتطلبات الضرورية التي تمكنها من تسيير الأعمال الموكلة إليها، والتي تساعدها في الوصول إلى الهدف العام الذي من أجله أنشئت؛ لذلك لا يمكن تحقيق الأهداف دون وجود تخطيط سليم وتنفيذ محكم؛ لهذا نرى المؤسسات تحاول جاهدة استغلال كافة الموارد البشرية والمادية لديها من أجل تحقيق أهدافها التي من أجلها أنشئت؛ لذا كان التخطط وإعداد الخطط التي تتناسب مع توجهات المؤسسة وإمكاناتها واستغلال كافة الموارد البشرية والمادية هو أفضل الخيارات وأنجعها.
ولما كانت التحديات المعاصرة أصبحت واقعا؛ فقد أصبح من الضروري على المؤسسات بناء الخطط التي تتناسب مع التقدم في المجال المعلوماتي المعاصر، والذي يمكّن المؤسسة من النظر للمستقبل ليس بوصفه مجالا يفرض عليها تهديدات يجب تفاديها، و إنما بوصفه مسارا يدرّ فرصا يمكن استثمارها، والتطور من خلالها، واستغلال نقاط الضعف، والسعي لتحويلها إلى نقاط قوة يتم توظيفها للتوافق مع المستجدات والتحديات في بيئة الأعمال، ويستدعي ذلك اهتمام المؤسسات بمستقبلها؛ لتحسين أدائها على المدى البعيد؛ لذلك سنحاول بيان أهمية التخطيط وأبعاده، والفوائد المتحصلة منه.
ولا ريب أن التخطيط أضحى من سمات الحياة المعاصرة، وما من أمة تسعى إلى مستقبل أفضل إلا وتضع للتخطيط أهمية قصوى، وتعدّه من أهم السياسات التي تمشي على هديه، وتستفيد منه، فالعالم اليوم في أشد الحاجة للتخطيط السليم المنظم بعد أن تعقدت وتشابكت وسائط المعيشة، وتشعبت جوانبها، وتعددت إمكاناتها.
وكون أن التخطيط يأتي في أولويات العناصر الإدارية الخمسة التي ذكرها هنري فايول (1841 – 1925)، مؤلف كتاب النظرية الكلاسيكية للإدارة، الذي عرّف وظائف الإدارة الخمسة الأساسية (التخطيط، التنظيم، التوظيف، التوجيه، الرقابة)، وطوّر الأصول الأساسية للإدارة التي تتضمن كل المهام الإدارية، ونرى أن التخطيط جاء أول عناصر الإدارة الخمسة، بل ويعد الأساسي والفعال في عمليات التقدم والتنمية، وزيادة كفاية المؤسسات وفعاليتها، فهو أداة إدارية تعتمد عليها المؤسسة من خلال تركيز طاقاتها، والتأكد من أن جميع العاملين لديها يسيرون على ذات النهج لتحقيق الهدف العام لها، كما أنه يعمل على تقويم الأعمال وتغيير ما يستحق التغيير في المؤسسة؛ استجابة للتغيرات البيئية، ولا ريب أن المسؤولين وهم المعنيون بوضع الخطط الاستراتيجية، وتقويمها، وتطويرها، والعمل على خلق التفاعل الإيجابي البناء بين كافة المستويات الإدارية الفنية والمواءمة بين الظروف الداخلية والخارجية لها، وقبل البدء في إعداد الخطة؛ يلزم معرفة الإجابة عن الآسئلة الآتية، وهي: أين نحن الآن؟، أين نرغب أن نكون؟، كيف سنصل إلى هناك؟، كيف نقيس مدى تقدمنا؟
لذلك يعدّ التخطيط من أحد أهم وظائف الإدارة الحديثة، فضلا عن كونه ركيزة أساسية للوظائف الإدارية الأخرى، فإن إعداد الخطة الاستراتيجية تستهدف توضيح أولويات المجتمع والتعبير عنها، وامتلاك الأدوات والنماذج المنطقية التى تضمن شموليتها وتناسقها، وقياس مدى قابليتها للتطبيق، وفاعليتها فى تحقيق الأهداف اعتماداً على جودة المهارات الإدارية في المؤسسة؛ ولعل ذلك هو ما جعل من إنشاء إدارات التخطيط في المؤسسات خطوة مهمة وضرورية لبناء قدرات مؤسسية وإدارية فاعلة، ومراعاة الجودة في الإعداد والتنفيذ، ولا ريب أن ذلك يساعد المؤسسة في اكتشاف المهارات والقدرات والكفاءات من العاملين في المؤسسة، وهذا يساعد في بناء الجيل الثاني، أو خط الدفاع الثاني في المؤسسة، كما أنه يخلق نوعا من التنافس الداخلي، ويسهم في تحقيق اكتمال الحلقات الإدارية في المؤسسة.
ولا ننكر أن التخطيط الاستراتيجي غدا من المفاهيم الإدارية المعاصرة التي شاع سيطها، وتنامى الاهتمام بها؛ إذ لاقى إقبالا كبيراً من المهتمين في العقد الأخير من القرن الفائت، فقد أصبح مفهوم التخطيط واسعا وشاملا؛ بحيث إنه فرض نفسه على منظومات العمل في مختلف قطاعات الأعمال على مختلف أنواعها وأشكالها، كونه مفهوما ديناميكيا منفتحا يسهم في توضيح خارطة الطريق، وفرض نظام للشفافية في مختلف ميادين العمل، ويبعد المؤسسات عن كلِّ ما له صلة بالإدارة البيروقراطية، ويمنح مساحة واسعة للإدارة التشاركية، والمجال الخصب لتطبيق مفهوم الإدارة اللامركزية التي تقوم على تشتيت الصلاحيات، ومنح الحرية في اتخاذ القرارات، وتوفير المناخ الملائم للعمل الذي يتسم بالثقة المتبادلة، والتمكين المتزن والتفاؤل بالمستقبل، ويسهم في التعزيز من أخلاقيات العمل والالتزام بالقيم النبيلة التي تبعد المؤسسات عن الركود والجمود والفساد الإداري، في حين أن أحد عناصر التخطيط ومكوناته كنتائج نهائية يتم وضعها بجهد عقلي لتحديد سلوك يُلتزمُ به.
يرى هنري فايول أنّ التخطيط: “يشمل التنبُّؤ بما سيكون عليه المُستقبل، مُتضمِّناً الاستعداد لهذا المُستقبل”، بينما يرى أحمد السيّد مصطفى أنّ التخطيط هو: “فن التعامل مع المستقبل، وأنّه الوظيفة المبكرة، أو نقطة البداية في أيّ عمليّة، وأنّه يتضمَّن تصميم الأهداف، وتقييمها، واختيار المُناسب منها، وتحديد كيفيّة بلوغها، وأنّ هذه الأهداف هي بمثابة معايير لقياس الأداء الفِعليّ، بينما عرَّفه جورج تيري على أنه: “الاختيار المُرتبِط بالحقائق، ووضع استخدام الفروض المتعلقة بالمستقبل، عند تصور وتكوين الأنشطة المقترحة التي يعتقد بضرورتها لتحقيق النتائج المنشودة”.
ويمكن القول: إن التخطيط هو: ذلك النوع من العملية الذهنية التي تحمل التفكير المنطقي المنظم المشتمل على مجموعة من العمليات المنهجية والخطوات المتتابعة بدءا من تحديد الهدف العام، وجمع المعلومات مروراً بإجراء مسح شامل للبيئة؛ لتحقيق النظرة الكلية الشاملة لعناصر البيئتين الداخلية والخارجية للمؤسسة، وما يمكن أن يطرأ عليهما من تغيرات حالية ومستقبلية انتهاء بناتج هذا النوع من التفكير بما يتيح أكبر قدر من المرونة في ضوء معدلات التغيرات المتسارعة، ويتميز التخطيط الاستراتيجي بأهمية كبيرة كونه من أهم العمليات الإدارية في بيئة العمل، وتعود أهميته؛ لأنه يساعد في المحافظة على رأس المال؛ بحيث يعمل على مراجعة الأداء المالي للعمل، كما أنه يسهم في سير الخطة على الطريق السليم للرؤية العامة، ويحدد الإطار الزمني لتطبيق الخطة من خلال الاعتماد على وضع استراتيجيّة مناسبة تسهم في تصميم الخطوات الخاصّة به، ومن ناحية أخرى فإن التخطيط الاستراتيجي يتميز باعتماده المشاركة على تحويل الأفكار إلى أشياء قابلة التطبيق؛ حتى يتم تحقيق المعرفة الكافية في الحصول على النتائج المقبولة.
وللحديث تتمة في (2-2)